للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا قولكم: إنَّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرون التَّحريم بذلك، فدعوى باطلةٌ على جميع الصَّحابة، فقد صحَّ عن علي إثبات التَّحريم به، وذكر البخاريُّ في «صحيحه» (١) أنَّ ابن عبَّاسٍ سئل عن رجلٍ كانت له امرأتان أرضعتْ إحداهما جاريةً والأخرى غلامًا أيحلُّ أن ينكحها؟ فقال ابن عبَّاسٍ: لا، اللِّقاح واحدٌ.

وهذا الأثر الذي استدللتم به صريحٌ عن الزبير أنَّه كان يعتقد زينبَ ابنتَه بتلك الرَّضاعة، وهذه عائشة أم المؤمنين كانت تفتي بأنَّ لبن الفحل ينشر الحرمة (٢)، فلم يبقَ بأيديكم إلا عبد الله بن الزبير، وأين يقع من هؤلاء؟

وأمَّا الذين سألتْهم فأفتوها بالحلِّ فمجهولون غير مسمَّينَ، ولم يقل الرَّاوي: فسألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم متوافرون، بل لعلَّها أرسلتْ فسألتْ من لم يبلغه السُّنَّة الصَّحيحة منهم، فأفتاها بما أفتاها به عبد الله بن الزبير، ولم تكن الصَّحابة إذ ذاك متوافرون (٣) بالمدينة، بل كان معظمهم وأكابرهم بالشَّام والعراق ومصر.

وأمَّا قولكم: إنَّ الرَّضاعة إنَّما هي من جهة الأمِّ، فالجواب أن يقال: إنَّما


(١) لم يخرجه البخاري، بل أخرجه مالك (١٧٦٦) ومن طريقه الترمذي (١١٤٩)، وإسناده صحيح. وقد تقدم في أول الباب (ص ١٥٧).
(٢) فقد كانت - رضي الله عنها - تأمر أخواتها وبنات إخواتها أن يرضعن من أحبَّت أن يدخل عليها، كما أخرجه أحمد (٢٦٣٣٠)، وأصله عند البخاري (٥٠٨٨)، ومسلم (١٤٥٣). وينظر: «سنن سعيد بن منصور» (١/ ٢٧٥).
(٣) كذا في جميع النسخ بالواو والنون. وأُصلحت في المطبوع فكُتبت: «متوافرين».