للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسَلِيْ عن هذا. فأرسلتْ فسألتْ، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون فقالوا لها: إنَّ الرَّضاعة من قِبَل الرَّجل لا تُحرِّم شيئًا. فأنكَحَها (١) إيَّاه، فلم تزلْ عنده حتَّى هلك عنها (٢).

قالوا: ولم ينكر ذلك الصَّحابة - رضي الله عنهم -. قالوا: ومن المعلوم أنَّ الرَّضاعة من جهة المرأة لا من الرَّجل.

قال الجمهور: ليس فيما ذكرتم ما يعارض السُّنَّة الصَّحيحة الصَّريحة، فلا يجوز العدول عنها. أمَّا القرآن فإنَّه بين أمرين: إمَّا أن يتناول الأختَ من الأب من الرَّضاعة فيكون دالًّا على تحريمها، وإمَّا أن لا يتناولها فيكون ساكتًا عنها، فيكون تحريم السُّنَّة لها تحريمًا مبتدأً أو مخصِّصًا لعموم قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤]. والظَّاهر تناولُ لفظ الأخت لها، فإنَّه سبحانه عمَّم لفظ الأخوات من الرَّضاعة، فدخل فيه كلُّ من أطلق عليها أخته، ولا يجوز أن يقال: إنَّ أخته من أبيه من الرَّضاعة ليست أختًا له، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: «ائْذَني لأفلحَ؛ فإنَّه عمُّك» (٣)، فأثبتَ العمومة بينها وبينه بلبن الفحل وحده، فإذا ثبتت العمومة بين المرتضعة وبين أخي صاحب اللَّبن، فثبوت الأخوَّة بينها وبين ابنه بطريق الأَولى أو مثله. فالسُّنَّة بيَّنت مراد الكتاب لا أنَّها خالفتْه، وغايتها أن تكون أثبتتْ تحريمَ ما سكت عنه، أو تخصيصَ ما لم يُرَدْ عمومه.


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «فأنكحيها».
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه (ص ١٥٧).