للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا كانت بنته من الرَّضاعة بنتًا في حكمينِ فقط: الحرمة، والمحرميَّة، وتخلُّف سائرِ أحكام البنت عنها لم يُخرِجْها عن التَّحريم ويُوجِبْ حلَّها، فهكذا بنتُه من الزنا تكون بنتًا في التَّحريم، وتخلُّفُ أحكامِ البنت عنها لا يُوجِب حلَّها. والله سبحانه خاطب العرب بما تَعقِله في لغاتها، ولفظ «البنت» لفظٌ (١) لغويٌّ لم ينقله الشَّارع عن موضوعه (٢) الأصليِّ، كلفظ الصَّلاة والإيمان ونحوهما، فيُحمَل على موضوعه اللُّغويِّ حتَّى يثبت نقلُ الشَّارع له عنه إلى غيره، فلفظ البنت كلفظ الأخ والعمِّ والخال ألفاظٌ باقيةٌ على موضوعاتها اللُّغويَّة. وقد ثبت في «الصَّحيح» (٣) أنَّ الله سبحانه أنطقَ ابنَ الرَّاعي الزَّاني بقوله: «أبي فلانٌ الرَّاعي»، وهذا الإنطاق لا يحتمل الكذب. وأجمعت الأمَّة على تحريم أمِّه عليه. وخلقُه من مائها وماء الزَّاني خلقٌ واحدٌ، وإثمهما فيه سواءٌ، وكونه بعضًا لها مثل كونه بعضًا له، وانقطاع الإرث بين الزَّاني والبنت لا يوجب جوازَ نكاحها.

ثمَّ من العجب كيف يُحرِّم صاحب هذا القول أن يستمني الإنسان بيده، ويقول: هو نكاحٌ لِيَدِه، ويُجوِّز للإنسان أن ينكح بعضَه، ثمَّ يُجوِّز له أن يستفرش بعضَه الذي خلقه الله من مائه وأخرجه من صلبه، كما يستفرش الأجنبيَّة!

فصل

والحكم الثَّالث: أنَّه لا تُحرِّم المصَّة والمصَّتان، كما نصَّ عليه رسول الله


(١) «لفظ» ليست في د.
(٢) في المطبوع: «موضعه» خلاف النسخ.
(٣) أخرجه البخاري (٣٤٣٦)، ومسلم (٢٥٥٠) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.