للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: وأمَّا حديث سهلة في رضاع سالم فهذا كان في أوَّل الهجرة؛ لأنَّ قصَّته نزلت (١) عقيب نزول قوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: ٥]، وهي نزلت في أوَّل الهجرة. وأمَّا أحاديث اشتراط الصِّغر وأن يكون في الثَّدي قبل الفِطام، فهي من رواية ابن عبَّاسٍ وأبي هريرة، وابن عبَّاسٍ إنَّما قدِمَ المدينة قبل الفتح، وأبو هريرة إنَّما أسلم عام فتح خيبر بلا شكٍّ، كلاهما قدِمَ المدينة بعد قصَّة سالم في رضاعه من امرأة أبي حذيفة.

قال المثبتون للتَّحريم برضاع الشُّيوخ: قد صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - صحَّةً لا يمتري فيها أحدٌ أنَّه أمر سهلة بنت سهيل أن تُرضِع سالمًا مولى أبي حذيفة، وكان كبيرًا ذا لحيةٍ، وقال: «أَرضِعيه تَحْرُمي عليه»، ثمَّ ساقوا الحديث وطرقه وألفاظه، وهي صحيحةٌ صريحةٌ بلا شكٍّ.

ثمَّ قالوا: فهذه الأخبار ترفع الإشكال، وتُبيِّن مراد الله عزَّ وجلَّ في الآيات المذكورات: أنَّ الرَّضاعة الَّتي تَتِمُّ بتمام الحولين أو بتراضي الأبوين قبل الحولين إذا رأيا في ذلك صلاحًا للرَّضيع، إنَّما هي الموجبة للنَّفقة على المرأة المرضعة، والَّتي يُجبَر عليها الأبوان أحبَّا أم كَرِها. ولقد كان في الآية كفايةٌ من هذا؛ لأنَّه تعالى قال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣]، فأمر تعالى الوالداتِ بإرضاع المولود عامين، وليس في هذا تحريمٌ للرَّضاعة بعد ذلك، ولا أنَّ التَّحريم ينقطع بتمام الحولين، وكان قول الله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣]،


(١) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «كانت».