للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما الرَّضاعة ما كان عددها خمسًا، فيُعبِّر عن هذا المعنى بقوله من المجاعة، وهذا ضدُّ البيان الذي كان عليه - صلى الله عليه وسلم -.

وقولكم: إنَّ الرَّضاعة تَطْرُد الجوع عن الكبير، كما تطردُه عن الصَّغير= كلامٌ باطلٌ، فإنَّه لا يُعهَد ذو لحيةٍ قطُّ يُشبِعه رضاع المرأة ويطرد عنه الجوع، بخلاف الصَّغير فإنَّه ليس له ما يقوم مقام اللَّبن، فهو يطرد عنه الجوع، فالكبير ليس ذا مجاعةٍ إلى اللَّبن أصلًا. والَّذي يُوضِّح هذا أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يُرِد حقيقة المجاعة، وإنَّما أراد مظنَّتها وزمنَها، ولا شكَّ أنَّه الصِّغر (١)، فإن أبيتم إلا الظَّاهريَّة، وأنَّه أراد حقيقتها، لزِمكم أن لا يُحرِّم رضاع الكبير إلا إذا ارتضع وهو جائعٌ، فلو ارتضع وهو شبعان لم يُؤثِّر شيئًا.

وأمَّا حديث السِّتر المصون والحرمة العظيمة والحِمى المنيع، فرضي الله عن أمِّ المؤمنين، فإنَّها وإن رأت أنَّ هذا الرَّضاع يثبت المَحْرميَّة، فسائر أزواج النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يخالفنها (٢) في ذلك، ولا يَرَين دخول هذا السِّتر المصون والحمى الرَّفيع بهذه الرَّضاعة، فهي مسألة اجتهادٍ، وأحد الحزبين مأجورٌ أجرًا واحدًا، والآخر مأجورٌ أجرين، وأسعدهما بالأجرين من أصاب حكم الله ورسوله في هذه الواقعة، فكلٌّ من المُدخِل للسِّتر المصون بهذه الرَّضاعة والمانعِ من الدُّخول فائزٌ بالأجر، مجتهدٌ في مرضاة الله وطاعة رسوله وتنفيذِ حكمه، ولهما أسوةٌ بالنَّبيَّين الكريمين اللَّذين أثنى الله عليهما بالحكمة والحكم، وخَصَّ بفهم الحكومة أحدَهما.


(١) ز: «الصغير».
(٢) ص، د، ز، ح: «يخالفها».