للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.

وهذا الجواب يحتاج إلى تقريرٍ، فإنَّ ظاهره أنَّ آية الطَّلاق مقدَّمةٌ على آية البقرة لتأخُّرِها عنها، فكانت ناسخةً لها، ولكنَّ النَّسخ عند الصِّحابة والسَّلف أعمُّ منه عند المتأخِّرين، فإنَّهم يريدون به ثلاث (١) معانٍ:

أحدها: رفع الحكم الثَّابت بخطابٍ.

الثَّاني: رفع دلالة الظَّاهر, إمَّا بتخصيص وإمَّا بتقييدٍ، وهو أعمُّ ممَّا قبله.

الثَّالث: بيان المراد باللَّفظ الذي بيانه من خارجٍ، وهذا أعمُّ من المعنيين الأوَّلين.

فابن مسعودٍ - رضي الله عنه - أشار بتأخُّر نزول سورة الطَّلاق إلى أنَّ آية الاعتداد بوضع الحمل ناسخةٌ لآية البقرة إن كان عمومها مرادًا، أو مخصِّصةٌ إن لم يكن عمومها مرادًا، أو مبيِّنةٌ للمراد منها ومقيِّدةٌ لإطلاقها، وعلى التقديرات الثلاث فيتعيَّن تقديمُها على عموم تلك وإطلاقها (٢). وهذا من كمال فقهه - رضي الله عنه - ورسوخه في العلم، وممَّا يبيِّن (٣) أنَّ أصول الفقه التي هي أصول الفقه (٤) سجيَّةٌ للقوم، وطبيعةٌ لا يتكلَّفونها، كما أنَّ العربيَّة والمعاني والبيان وتوابعها لهم كذلك، فمن بعدهم إنما يُجهِد نفسه ليتعلَّق بغبارهم وأنَّى له؟!


(١) كذا في النسخ.
(٢) «وعلى التقديرات ... وإطلاقها» ساقطة من المطبوع.
(٣) م: «بيَّن».
(٤) «التي هي أصول الفقه» من م، ح.