للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الآخر، ولا سبيل إلى معنًى ثالثٍ، وتعطيلُه غير ممكنٍ، ويمتنع تأخير البيان عن وقت الحاجة. فإذا جاء وقت العمل، ولم يتبيَّن أنَّ أحدهما هو المقصود بعينه، عُلِم أنَّ الحقيقة غير مرادةٍ، إذ لو أُريدتْ لثَبتتْ (١)، فتعيَّن المجاز، وهو مجموع المعنيين. ومن يقول: إنَّ الحمل عليهما بالحقيقة يقول: لمَّا لم يتبيَّن أنَّ المراد أحدهما عُلِم أنَّه أراد كليهما.

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة (٢): وفي هذه الحكاية عن الشَّافعيِّ والقاضي نظرٌ. أمَّا القاضي فمن أصله الوقف في صيغ العموم، وأنَّه لا يجوز حملُها على الاستغراق إلا بدليلٍ، فمن يقف في ألفاظ العموم كيف يجزم في الألفاظ المشتركة بالاستغراق من غير دليلٍ؟ وإنَّما الذي ذكره في كتبه إحالة الاشتراك رأسًا، وما يُدَّعى فيه الاشتراك فهو عنده من قبيل المتواطئ. وأمَّا الشَّافعيُّ فمنصبه في العلم أجلُّ من أن يقول مثل هذا، وإنَّما استُنبط هذا من قوله: إذا أوصى لمواليه تناول المولى من فوق ومن أسفل. وهذا قد يكون قاله لاعتباره (٣) أنَّ المولى من الأسماء المتواطئة، وأنَّ موضوعه (٤) القدر المشترك بينهما، فإنَّه من الأسماء المتضايفة، كقوله: «من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه» (٥)،


(١) في المطبوع: «لبيَّنت». والمثبت من النسخ.
(٢) لم أجد قوله في المطبوع من كتبه. وقد أشار إليه الزركشي في «البحر المحيط» (٢/ ١٣٤) وابن حجر الهيتمي في «الفتاوى الفقهية الكبرى» (٣/ ٣٠٧).
(٣) في المطبوع: «لاعتقاده» خلاف النسخ.
(٤) في المطبوع: «موضعه» خلاف النسخ.
(٥) هذا حديث روي عن عدد من الصحابة، أخرجه أحمد (١٩٣٢٨)، والترمذي (٣٧١٣)، وابن ماجه (١٢١)، وأبو يعلى (٥٦٧)، وابن حبان (٦٩٣١)، والحاكم (٣/ ١١٩)، والضياء المقدسي في «المختارة» (٤٧٩)، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب»، وكثير من طرقه حسان أو صحاح كما قال الحافظ في «الفتح» (٧/ ٧٤)، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيق «مسند أحمد» (١/ ٤٤٢)، والشيخ الألباني في «الصحيحة» (١٧٥٠)، وصنف فيه أبو الحسن ابن عقدة والذهبي جزءًا جمعا فيه طرقه، وضعَّفه بعض الحفاظ كالبخاري في «التاريخ الكبير» (١/ ٣٧٥)، والحربي كما نقله ابن تيمية في «منهاج السنة» (٧/ ٣١٩)، وابن حزم في «الفصل» (٤/ ١١٦).