للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ من مسمَّى الحيض في حقيقته، يُوضِّحه أنَّ من قال: أوقات الطُّهر تُسمَّى قروءًا، فإنَّما يريد أوقات الطُّهر الَّتي يَحْتَوِشُها (١) الدَّم، وإلَّا فالصَّغيرة والآيسة لا يقال لزمن طهرهما أقراءٌ، ولا هما من ذوات الأقراء باتِّفاق أهل اللُّغة.

الدَّليل الثَّاني: أنَّ لفظ القرء [لم يُستعمل] (٢) في كلام الشَّارع إلا للحيض، ولم يجئ عنه في موضعٍ واحدٍ استعماله للطُّهر، فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشَّارع أولى، بل متعيِّنٌ، فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال للمستحاضة: «دَعِي الصَّلاةَ أيَّام أقرائِك» (٣)، وهو - صلى الله عليه وسلم - هو المعبِّر عن الله، وبلغة قومه نزل القرآن، فإذا ورد المشترك في كلامه على أحد معنييه وجبَ حملُه في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيءٍ من كلامه البتَّةَ، ويصير هو لغة القرآن الَّتي خُوطبنا بها، وإن كان له معنًى آخر في كلام غيره، ويصير هذا المعنى الحقيقة الشَّرعيَّة في تخصيص المشترك بأحد معنييه، كما يختصّ المتواطئ بأحد أفراده، بل هذا أولى؛ لأنَّ أغلب أسباب الاشتراك


(١) أي يحيط بها.
(٢) ما بين المعكوفتين ليس في النسخ، وبه يستقيم الكلام.
(٣) أخرجه أبو داود (٢٩٧)، والترمذي (١٢٦)، وابن ماجه (٦٢٥) من حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده، وضعَّفه أبو داود، وأشار الترمذي إلى ضعفه، وقال: «هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان»، وسأل البخاريَّ عن جد عدي فلم يعرفه، وذكر له قول ابن معين أن اسمه دينار، فلم يعبأ به. وأخرجه أحمد (٢٥٦٨١) من حديث عائشة؛ والنسائي (٣٦١) من حديث زينب بنت جحش، وأصله في البخاري (٢٢٨)، ومسلم (٣٣٣)؛ وهذه شواهد يتقوى بها الحديث. وينظر: «إراوء الغليل» (٢١١٨)، و «صحيح أبي داود» (٢/ ٩٣).