للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فعلتُه لثلاثٍ مضين من الشَّهر، إنَّما يصدق إذا فعله بعد مضيِّ الثَّلاث، وهو بخلاف حرف الظَّرف الذي هو «في»، فإنَّه إذا قال: فعلتُه في ثلاثٍ بقين، كان الفعل واقعًا في نفس الثَّلاث.

وهاهنا نكتةٌ حسنةٌ، وهي أنَّهم يقولون: فعلتُه لثلاث ليالٍ خلون أو بقين من الشَّهر، وفعلتُه في الثَّاني أو الثَّالث من الشَّهر، أو في ثانيه أو ثالثه، فمتى أرادوا مضيَّ الزَّمان أو استقبالَه أَ تَوا باللَّام، ومتى أرادوا وقوع الفعل فيه نفسه (١) أَ تَوا بـ «في». وسرُّ ذلك أنَّهم إذا أرادوا مضيَّ زمن الفعل أو استقباله أتوا باللام الدَّالَّة على اختصاص العدد الذي يلفظون به بما مضى أو بما يستقبل، وإذا أرادوا وقوع الفعل في ذلك الزَّمان أتوا بالأداة المعيَّنة له، وهي أداة «في». وهذا خيرٌ من قول كثيرٍ من النُّحاة: إنَّ اللَّام تكون بمعنى «قبل» في قولهم: كتبته لثلاثٍ بقين، وطلِّقوهنَّ لعدَّتهنَّ. وبمعنى «بعد»، كقولهم: لثلاثٍ خلون. وبمعنى «في»، كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: ٤٧]، وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} [آل عمران: ٢٥].

والتَّحقيق: أنَّ اللَّام على بابها للاختصاص بالوقت المذكور، كأنَّهم جعلوا الفعل للزَّمان المذكور اتِّساعًا لاختصاصه به، فكأنَّه له، فتأمَّلْه.

وفرقٌ آخر: وهو أنَّك إذا أتيت باللَّام لم يكن الزِّمان المذكور بعده إلا ماضيًا أو منتظرًا، ومتى أتيت بـ «في» لم يكن الزَّمان المجرور بها إلا مقارنًا للفعل. وإذا تقرَّر هذا من قواعد العربيَّة، فقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}


(١) «نفسه» من م، ز.