للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلاق العبد طلقتان، احتجَّ علينا بهذا الحديث، وقال: جعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - طلاق العبد تطليقتين، فاعتبر الطَّلاق بالرِّجال لا بالنِّساء، واعتبر العدَّة بالنِّساء، فقال: «وقرء الأمة حيضتان». فيا سبحان الله! يكون الحديث سليمًا من العلل إذا كان حجَّةً لكم، فإذا احتجَّ به منازعوكم عليكم اعتورَتْه العلل المختلفة! فما أشبهَه بقول القائل (١):

يكون أُجاجًا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقَّى نَشْرَكم فيَطِيبُ

فنحن إنَّما كِلْنا لكم بالصَّاع الذي كِلْتم لنا به، بخسًا ببخسٍ، وإيفاءً بإيفاءٍ. ولا ريبَ أنَّ مظاهرًا ممَّن لا يُحتجُّ به، ولكن لا يمتنع أن يُعتَضد بحديثه ويُقوَّى به الدَّليلُ غيرُه.

وأمَّا تعليله بخلاف عائشة له، فأين ذلك من تقريركم أنَّ مخالفة الرَّاوي لا تُوجِب ردَّ حديثه وأنَّ الاعتبار بما رواه لا بما رآه، وتكثيركم من الأمثلة الَّتي أخذ النَّاس فيها بالرِّواية دون مخالفة راويها لها، كما أخذوا برواية ابن عبَّاسٍ المتضمِّنة لبقاء النِّكاح مع بيع الزَّوجة، وتركوا رأيه بأنَّ بيع الأمة طلاقها، وغير ذلك.

وأمَّا ردُّكم لحديث ابن عمر: «طلاق الأمة طلقتان وقرؤها حيضتان» بعطية العَوْفي، فهو وإن ضعَّفه أكثر أهل الحديث فقد احتمل النَّاس حديثه وخرَّجوه في السُّنن، وقال يحيى بن معينٍ في رواية عبَّاسٍ الدُّوريِّ (٢) عنه:


(١) هو العباس بن الأحنف كما في «الأشباه والنظائر» للخالديين (١/ ١١) و «زهر الآداب» (٢/ ٩٤٥) و «الحماسة المغربية» (٢/ ٩٧٤) و «ديوانه» (ص ٢٩). ويروى للمجنون وغيره في «الأغاني» (٢/ ٦٣، ٦٤) و «ديوان مجنون ليلى» (ص ٥٣).
(٢) «التاريخ» (٣/ ٥٠٠).