للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الارتياب، فحُكِم فيها بهذا الحكم، وكان اتِّباع ذلك ألزمَ وأولى من قول من يقول: إنَّ الرَّجل يطلِّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين فيرتفع حيضها وهي شابَّةٌ، أنَّها تبقى ثلاثين سنةً معتدَّةً، وإن جاءت بولدٍ لأكثر من سنتين لم يلزمه. فخالف ما كان من إجماع المسلمين الذين مَضَوا، لأنَّهم كانوا مُجمِعين على أنَّ الولد يُلحَق بالأب ما دامت المرأة في عدَّتها، فكيف يجوز أن يقول قائلٌ: إنَّ الرَّجل يُطلِّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين، ويكون بينها وبين زوجها أحكامُ الزّوجات ما دامت في عدَّتها من الموارثة وغيرها؟ فإن جاءت بولدٍ لم يلحقه، وظاهرُ عدَّةِ الطَّلاق أنَّها جعلت من الدُّخول الذي يكون منه الولد، فكيف تكون المرأة معتدَّةً والولد لا يلزم؟

قلت: هذا إلزامٌ منه (١) لأبي حنيفة، فإنَّ عنده أقصى مدَّة الحمل سنتان، والمرتابة في أثناء عدَّتها لا تزال في عدَّةٍ حتَّى تبلغ سنَّ الإياس فتعتدَّ (٢) به، وهو يلزم الشَّافعيَّ في قوله الجديد سواءً، إلا أنَّ مدَّة الحمل عنده أربع سنين، فإذا جاءت به بعدها لم يلحقه وهي في عدَّتها منه.

قال القاضي إسماعيل: واليأس يكون بعضه أكثرَ من بعضٍ، وكذلك القنوط، وكذلك الرَّجاء، وكذلك الظَّنُّ، ومثل هذا يتبع (٣) الكلام فيه، فإذا قيل منه شيءٌ أُنزِل على قدر ما يظهر من المعنى فيه، فمن ذلك أنَّ الإنسان يقول: قد يئستُ من مريضي إذا كان الأغلب عنده أنَّه لا يَبْرأ، ويئستُ من غائبي إذا كان الأغلب عنده أنَّه لا يَقْدَم، ولو قال إذا مات غائبه أو مات مريضه: قد يئستُ منه،


(١) «منه» ليست في د.
(٢) د، ص: «فتعدّ».
(٣) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «يتسع».