للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكان الكلام عند النَّاس على غير وجهه، إلا أن يتبيَّن معنى ما قصد له في كلامه، مثل أن يقول: كنتُ وَجِلًا في مرضه مخافةَ أن يموت، فلمَّا مات وقع اليأس، فينصرف الكلام على هذا وما أشبهه. إلَّا أنَّ أكثر ما يُلفَظ باليأس إنَّما هو فيما يكون (١) الأغلب عند اليأس أنَّه لا يكون، وليس واحدٌ من اليائس والطَّامع يعلم يقينًا أنَّ ذلك الشَّيء يكون أو لا يكون.

وقال تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: ٦٠]، والرَّجاء ضدُّ اليأس، والقاعدة من النِّساء قد يُمكِن أن تُزَوَّج، غير أنَّ الأغلب عند النَّاس فيها أنَّ الأزواج لا يرغبون فيها. وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: ٢٨]، والقنوط شبه اليأس، وليس يعلمون يقينًا أنَّ المطر لا يكون، ولكنَّ اليأس دخلَهم حين تطاولَ إبطاؤه. وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: ١١٠]، فلمَّا ذكر أنَّ الرُّسل هم الذين استيأسوا كان فيه دليلٌ على أنَّهم دخل قلوبَهم يأسٌ من غير يقينٍ استيقنوه؛ لأنَّ اليقين في ذلك إنَّما يأتيهم من عند الله، كما قال في قصَّة نوحٍ: {(٣٥) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ}، ثم قال (٢): {آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا} [هود: ٣٦]، وقال تعالى في قصَّة إخوة يوسف: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} [يوسف: ٨٠]، فدلَّ الظَّاهر على أنَّ يأسهم ليس بيقينٍ.


(١) ص، د، ز: «كان».
(٢) ليس بعدها في النسخ بقية الآية. والمثبت من المطبوع.