للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوِداد ــ فإنَّه لا يُطلِّقها لأجل الأوَّل، بل يُمسِك امرأته، فلا يصير لأحدٍ من النَّاس اختيارٌ (١) في عَودِها إليه، فإذا اتَّفق فراقُ الثَّاني لها بموتٍ أو طلاقٍ كما يفترق الزَّوجان اللَّذان هما زوجان، أُبيح للمطلِّق الأوَّل نكاحُها كما يُباح للرَّجل نكاحُ مطلَّقةِ الرَّجل ابتداءً.

وهذا أمرٌ لم يحرِّمه الله سبحانه في الشَّريعة الكاملة المهيمنة على جميع الشَّرائع، بخلاف الشَّريعتين قبلَنا، فإنَّه في شريعة التَّوراة قد قيل: إنَّها متى تزوَّجتْ بزوجٍ آخر لم تحلَّ للأوَّل أبدًا. وفي شريعة الإنجيل قد قيل: إنَّه ليس له أن يُطلِّقها البتَّة. فجاءت هذه الشَّريعة الكاملة الفاضلة على أكمل الوجوه وأحسنها وأصلحها للخلق. ولهذا لمَّا كان التَّحليل مباينًا للشَّرائع كلِّها وللعقل والفطرة، ثبت عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعنُ المحلِّلِ والمحلَّلِ له (٢). ولعنُه - صلى الله عليه وسلم - لهما إمَّا خبرٌ عن الله بوقوع لعنته عليهما، أو دعاءٌ عليهما باللَّعنة، وهذا يدلُّ على تحريمه وأنَّه من الكبائر.

والمقصود أنَّ إيجاب القروء الثَّلاثة في هذا الطَّلاق من تمام تأكيد تحريمها على الأوَّل، على أنَّه ليس في المسألة إجماعٌ، فذهب ابن اللبَّان الفَرَضي صاحب «الإيجاز» وغيره إلى أنَّ المطلَّقة ثلاثًا ليس عليها غيرُ استبراءٍ بحيضةٍ، ذكره عنه أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى فقال (٣): مسألةٌ: إذا طلَّق الرَّجل امرأته ثلاثًا بعد الدُّخول، فعدَّتها ثلاثة أقراءٍ إن كانت من ذوات الأقراء، وقال ابن اللبَّان: عليها الاستبراء بحيضةٍ. دليلنا قوله تعالى:


(١) ص، د، ز: «اختيارًا»، خطأ.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) لعله من «رؤوس المسائل» له.