للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتراضيا بفسخ النِّكاح بلا عوضٍ بالاتِّفاق.

فإن قيل: فكيف يجوز الخلع بغير عوضٍ في أحد القولين في مذهب مالك وأحمد؟ وهل هذا إلا اتِّفاقٌ (١) من الزِّوجين على فسخ النِّكاح بغير عوضٍ؟

قيل: إنَّما يُجوِّز أحمد في إحدى الرِّوايتين الخلع بلا عوضٍ إذا كان طلاقًا، فأمَّا إذا كان فسخًا فلا يجوز بالاتِّفاق. قاله شيخنا - رحمه الله -. قال (٢): ولو جاز هذا لجاز أن يتَّفقا على أن يُبِيْنَها مرَّةً بعد مرَّةٍ من غير أن ينقص عدد الطَّلاق، ويكون الأمر إليهما إذا أرادا أن يجعلا الفرقة بين الثَّلاث جعلاها، وإن أرادا لم يجعلاها من الثَّلاث. ويلزم من هذا إذا قالت: فَادِني بلا طلاقٍ أن يُبِينها بلا طلاقٍ، ويكون مخيَّرًا إذا سألته إن شاء أن يجعله رجعيًّا وإن شاء أن يجعله بائنًا، وهذا ممتنعٌ، فإنَّ مضمونه أنَّه يخيَّر (٣) إن شاء أن يُحرِّمها بعد المرَّة الثَّالثة، وإن شاء لم يُحرِّمها، ويمتنع أن يُخيَّر الرَّجل بين أن يجعل الشَّيء حلالًا وأن يجعله حرامًا، ولكن إنَّما يُخيَّر بين أمرين مباحين له، وله أن يباشر أسباب الحلِّ وأسباب التَّحريم، وليس له إنشاء نفس التَّحليل والتَّحريم.

والله سبحانه إنَّما شرع له الطَّلاق واحدةً بعد واحدةٍ، ولم يشرع له إيقاعه مرَّةً واحدةً، لئلَّا يندم، وتزول نزغةُ الشَّيطان الَّتي حملتْه على الطَّلاق،


(١) ص، ح، د، ز: «الاتفاق».
(٢) لم أجد النصَّ في كتبه المطبوعة، وانظر معناه في «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ٣٠٣، ٣٠٤).
(٣) ص، ز، م: «يخيره».