للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتتبع نفسُه المرأةَ فلا يجد إليها سبيلًا. فلو ملَّكه الشَّارع أن يُطلِّقها طلقةً بائنةً ابتداءً لكان هذا المحذور بعينه موجودًا، والشَّريعة المشتملة على مصالح العباد تأبى ذلك، فإنَّه يبقى الأمر بيدها إن شاءت راجعته وإن شاءت فلا.

والله سبحانه جعل الطَّلاق بيد الزَّوج لا بيد المرأة، رحمةً منه وإحسانًا ومراعاةً لمصلحة الزِّوجين. نعم، له أن يُملِّكها أمرَها باختياره، فيخيِّرها بين القيام معه وفراقها. وأمَّا أن يخرج الأمر عن يد الزَّوج بالكلِّيَّة إليها، فهذا لا يمكن، فليس له أن يُسقِط حقَّه من الرَّجعة، ولا يملك ذلك، فإنَّ الشَّارع إنَّما يُملِّك العبدَ ما ينفعه مِلْكُه ولا يتضرَّر به، ولهذا لم يُملِّكه أكثرَ من ثلاثٍ، ولا ملَّكه جمْعَ الثَّلاث، ولا ملَّكه الطَّلاقَ في زمن الحيض والطُّهر المُواقَع (١) فيه، ولا ملَّكه نكاحَ أكثر من أربعٍ، ولا ملَّك المرأةَ الطَّلاقَ، وقد نهى سبحانه الرِّجال أن يؤتوا السُّفهاء أموالهم الَّتي جعل الله لهم قيامًا، فكيف يجعلون أمر الأبضاع إليهنَّ في الطَّلاق والرَّجعة؟ فكما لا يكون الطَّلاق بيدها لا تكون الرَّجعة بيدها، فإن شاءت راجعتْه وإن شاءتْ فلا، فتبقى الرَّجعة موقوفةً على اختيارها.

وإذا كان لا يملك الطَّلاق البائن فلا يملك الطَّلاق المحرِّم ابتداءً أولى وأحرى؛ لأنَّ النَّدم في الطَّلاق المحرِّم أقوى منه في البائن. فمن قال: إنَّه لا يملك الإبانة، ولو أتى بها لم تَبِنْ، كما هو قول فقهاء الحديث= لزمه أن يقول: إنَّه لا يملك الثَّلاث المحرِّمة ابتداءً بطريق الأولى والأحرى، وإنَّ له رجعتَها وإن أوقعها، كما له (٢) رجعتُها وإن قال: أنت طالقٌ واحدةً بائنةً. فإذا


(١) ص، د، ح: «الواقع».
(٢) في المطبوع: «كان له» خلاف النسخ.