للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقول امرأةٍ، فإنَّ الله سبحانه إنَّما أمرها بالاعتداد أربعة أشهرٍ وعشرًا، ولم يأمرها بالمنزل. وقد أنكرتْ عائشة أم المؤمنين وجوبَ المنزل، وأفتت المتوفَّى عنها بالاعتداد حيث شاءت، كما أنكرتْ حديثَ فاطمة بنت قيس، وأوجبت السُّكنى للمطلَّقة.

وقال بعض من نازع في حديث الفُريعة: قد قُتِل من الصَّحابة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلقٌ كثيرٌ يومَ أحدٍ ويومَ بئرِ مَعُونة ويومَ مُؤْتة وغيرها، واعتدَّ أزواجُهم بعدهم، فلو كان كلُّ امرأةٍ منهنَّ تُلازِم منزلَها زمنَ العدَّة لكان ذلك من أظهر الأشياء وأَبينِها، بحيث لا يخفى على من هو دون ابن عبَّاسٍ وعائشة، فكيف خفي هذا عليهما وعلى غيرهما من الصَّحابة الذين حُكِي أقوالُهم مع استمرار العمل به استمرارًا متتابعًا (١)؟ هذا من أبعد الأشياء. ثمَّ لو كانت السُّنَّة جاريةً بذلك لم تأتِ الفُريعة تستأذنه - صلى الله عليه وسلم - أن تلحقَ بأهلها، ولمَّا أذِنَ لها في ذلك لم (٢) يأمرْ بردِّها بعد ذهابها ويأمرْها بأن تمكث في بيتها، فلو كان ذلك أمرًا مستمرًّا ثابتًا لكان قد نَسَخ بإذنه لها في اللَّحاق بأهلها، ثمَّ نَسخ ذلك الإذنَ بأمره لها بالمكث في بيتها، فيفضي إلى تغيير الحكم مرَّتين، وهذا لا عهدَ لنا به في الشَّريعة في موضعٍ متيقَّنٍ.

قال الآخرون: ليس في هذا ما يوجب ردَّ هذه السُّنَّة الصَّحيحة الصَّريحة، الَّتي تلقَّاها أمير المؤمنين عثمان بن عفَّان وأكابر الصَّحابة بالقبول ونفَّذها عثمان وحكم بها، ولو كنَّا لا نقبل رواية النِّساء عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لذهبتْ سننٌ كثيرةٌ من سنن الإسلام لا نَعرِف رواها عنه إلا النِّساء. وهذا كتاب الله ليس


(١) في المطبوع: «شائعا» خلاف النسخ.
(٢) د، ص، ز: «ثم». والمثبت من م يقتضيه السياق.