للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيه ما يَنْفي (١) وجوبَ الاعتداد في المنزل حتَّى تكون السُّنَّة مخالفةً له، بل غايتها أن تكون بيانًا لحكمٍ سكت عنه الكتاب، ومثلُ هذا لا تُرَدُّ به السُّنن. وهذا الذي حذَّر منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعينه أن تُترك السُّنَّة إذا لم يكن نظيرُ حكمِها في الكتاب.

وأمَّا تركُ أمِّ المؤمنين - رضي الله عنهم - لحديث فُرَيعة، فلعلَّه لم يبلغها، ولو بلغها فلعلَّها تأوَّلتْه، ولو لم تتأوَّلْه فلعلَّه قام عندها معارضٌ له، وبكلِّ حالٍ فالقائلون به في تركهم لتركها لهذا الحديث أعذرُ من التَّاركين له لتركِ أمِّ المؤمنين له، فبينَ التَّركينِ فرقٌ عظيمٌ.

وأمَّا من قُتِل مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومن مات في حياته فلم يأتِ قطُّ أنَّ نساءهم كنَّ يعتددن حيث شئنَ، ولم يأتِ عنهنَّ ما يخالف حكمَ حديث فُريعة البتَّةَ، فلا يجوز تركُ السُّنَّة الثَّابتة لأمرٍ لا يُعلَم كيف كان، ولو عُلِم أنَّهنَّ كنَّ يعتددن حيث شئن، ولم يأتِ عنهنَّ ما يخالف حكم حديث فُريعة= فلعلَّ ذلك قبل استقرار هذا الحكم وثبوته، حيث كان الأصل براءة الذِّمَّة وعدم الوجوب.

وقد ذكر عبد الرزاق (٢) عن ابن جريجٍ، عن عبد الله بن كثيرٍ قال: قال


(١) في المطبوع: «ينبغي»، تحريف.
(٢) في «المصنف» (١٢٠٧٧). وأخرجه الشافعي في «الأم» (٦/ ٥٩٦)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٤٣٦) عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال: أخبرني إسماعيل بن كثير به، وعبد الله بن كثير في إسناد عبد الرزاق خطأ، صوابه إسماعيل بن كثير كما وقع عند الشافعي وغيره، ونبَّه في «التلخيص» إلى أنه وقع في نسخة أخرى «للمصنف» على الصواب، وفي نسخة أخرى ذكر محمد بن عمرو بين عبد الرزاق وابن جريج، والحديث مرسل، وقواه بعض الحفاظ بما أخرجه سعيد بن منصور (١/ ٣٥٨): أن نساء من همدان سألن ابن مسعود ... ، وقد تقدم تخريجه، وقد ضعَّف الألباني الحديث في «السلسلة الضعيفة» (٥٥٩٧)، وينظر: «البدر المنير» لابن الملقن (٨/ ٢٥٢) و «التلخيص الحبير» لابن حجر (٣/ ٥٠٩).