للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أشهب عن مالك (١)، وهو قول أبي حنيفة، ولا إحدادَ عنده على الصَّغيرة.

واحتجَّ أرباب هذا القول بأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جعل الإحداد من أحكام من يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا تدخل فيه الكافرة، ولأنَّها غير مكلَّفةٍ بأحكام الفروع.

قالوا: وعدولُه عن اللَّفظ العامِّ المطلق إلى الخاصِّ المقيَّد بالإيمان يقتضي أنَّ هذا من أحكام الإيمان ولوازمه وواجباته، فكأنَّه قال: من التزم الإيمان فهذا من شرائعه وواجباته.

والتَّحقيق: أنَّ نفْيَ حلِّ الفعل عن المؤمنين لا يقتضي نفْيَ حكمه عن الكفَّار، ولا إثباتَ الحلّ لهم أيضًا، وإنَّما يقتضي أنَّ من التزم الإيمانَ وشرائعه فهذا لا يحلُّ له، ويجب على كلِّ حالٍ أن يلزم الإيمانَ وشرائعه، ولكن لا يُلزِمه الشَّارع شرائعَ الإيمان إلا بعد دخوله فيه. وهذا كما لو قيل: لا يحلُّ لمؤمنٍ أن يترك الصَّلاة والزَّكاة والحجَّ، فهذا لا يدلُّ على أنَّ ذلك حلٌّ للكافر، وهذا كما قال في لباس الذهب (٢): «لا ينبغي هذا للمتَّقين» (٣)، فلا يدلُّ على أنَّه ينبغي لغيرهم، وكذا قوله: «لا ينبغي للمؤمنِ أن يكون لعَّانًا» (٤).


(١) انظر: «المدونة» (٥/ ٤٣٠).
(٢) كذا في جميع النسخ، وهو خطأ من المؤلف. والصواب: «الحرير» كما في «الصحيحين». وصوَّبه في المطبوع.
(٣) أخرجه البخاري (٣٧٥) ومسلم (٢٠٧٥).
(٤) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٣٠٩) والترمذي (٢٠١٩) والحاكم (١/ ٤٧) من حديث ابن عمر، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب». وأخرجه مسلم (٢٥٩٧) من حديث أبي هريرة بلفظ: «لصديق» بدل «للمؤمن».