للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن تكذب في انقضاء عدَّتها استعجالًا لذلك، فمُنِعت من دواعي ذلك وسُدَّت إليه الذَّريعةُ. هذا مع أنَّ الكذب في عدَّة (١) الوفاة يتعذَّر غالبًا، بظهور موت الزَّوج وكونِ العدَّة أيَّامًا معدودةً، بخلاف عدَّة الطَّلاق فإنَّها بالأقراء، وهي لا تُعلَم إلا من جهتها، فكان الاحتياط لها أولى.

قيل: قد أنكر الله سبحانه على من حرَّم زينته الَّتي أخرج لعباده والطَّيِّبات من الرِّزق، وهذا يدلُّ على أنَّه لا يجوز أن يُحرَّم من الزِّينة إلا ما حرَّمه الله ورسوله، والله سبحانه قد حرَّم على لسان رسوله زينةَ الإحداد على المتوفَّى عنها مدَّةَ العدَّة، وأباح رسوله الإحدادَ بتركها على غير الزَّوج، فلا يجوز تحريمُ غيرِ ما حرَّمه، بل هو على أصل الإباحة.

وليس الإحداد من لوازم العدَّة ولا توابعها، ولهذا لا يجب على الموطوءة بشبهةٍ، ولا المَزْنيِّ بها، ولا المستبرأةِ، ولا الرَّجعيَّةِ اتِّفاقًا. وهذا القياس أولى من قياسها على المتوفَّى عنها، لما بين العدَّتين من الفروق (٢) قدرًا وسببًا وحكمًا، فإلحاق عدَّة الأقراء بالأقراء أولى من إلحاق عدَّة الأقراء بعدَّة الوفاة.

وليس المقصود من الإحداد على الزَّوج الميِّت مجرَّد ما ذكرتم من طلب الاستعجال، فإنَّ العدَّة فيه لم تكن لمجرَّد (٣) العلم ببراءة الرَّحم، ولهذا تجب قبل الدُّخول، وإنَّما هو من تعظيم هذا العقد، وإظهارِ خَطَرِه وشَرَفِه، وأنَّه عند الله بمكانٍ، فجُعِلت العدَّة حريمًا له، وجُعِل الإحداد من


(١) في النسخ: «هذه»، تحريف.
(٢) في المطبوع: «القروء»، تحريف.
(٣) في النسخ: «بمجرد». والمثبت يناسب السياق.