للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهو كالطِّيب أو أشدُّ منه.

وقال بعض الشَّافعيَّة (١): للسَّوداء أن تكتحل. وهذا تصرُّفٌ مخالفٌ للنَّصِّ والمعنى، وأحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا تُفرِّق بين السُّود والبِيض، كما لا تُفرِّق بين الطِّوال والقصار، ومثل هذا القياس والرأي (٢) الفاسد الذي اشتدَّ نَكرُ (٣) السَّلفِ له وذَمُّهم إيَّاه.

وأمَّا جمهور العلماء ــ كمالك وأحمد وأبي حنيفة والشَّافعيِّ وأصحابهم ــ فقالوا: إن اضطُرَّت إلى الكحل بالإثمد تداويًا لا زينةً فلها أن تكتحل به ليلًا وتمسحه نهارًا. وحجَّتهم حديث أم سلمة المتقدِّم، وأنَّها قالت في كحل الجِلاء: «لا تكتحلي إلا ما لا بدَّ منه، يشتدُّ عليك فتكتحلين باللَّيل وتغسلينه بالنَّهار».

ومن حجَّتهم حديث أم سلمة الآخر أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها وقد جعلت عليها صَبِرًا، فقال: «ما هذا يا أم سلمة؟» فقلت: صَبِرٌ يا رسول الله ليس فيه طيبٌ، قال: «إنَّه يَشُبُّ الوجه»، فقال (٤): «لا تجعليه إلا باللَّيل، وتَنزِعينه بالنَّهار». وهما حديثٌ واحدٌ فرَّقه الرُّواة، وأدخل مالك هذا القدر منه في «موطَّئه» (٥) بلاغًا، وذكر أبو عمر في «التَّمهيد» (٦) له طرقًا يشدُّ بعضها بعضًا، ويكفي احتجاج مالك به. وأدخله أهل السُّنن في كتبهم، واحتجَّ به الأئمَّة،


(١) انظر: «روضة الطالبين» (٨/ ٤٠٧).
(٢) في المطبوع: «بالرأي».
(٣) كذا في النسخ، وهو صواب. وجعله في المطبوع: «نكير».
(٤) كذا في النسخ بزيادة «فقال». والحديث متصل بدونها في «التمهيد» (٢٤/ ٣٦٣).
(٥) (١٧٥٧)، وتقدم الكلام عليه (ص ٣٤٧).
(٦) (٢٤/ ٣٦٢، ٣٦٣).