للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقلُّ درجاته أن يكون حسنًا، ولكن حديثها هذا مخالفٌ في الظَّاهر لحديثها المسند المتَّفق عليه (١)، فإنَّه يدلُّ على أن المتوفَّى عنها لا تكتحل بحالٍ، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن للمشتكية عينها في الكحل، لا ليلًا ولا نهارًا، ولا من ضرورةٍ ولا غيرها، وقال «لا» مرَّتين أو ثلاثًا، ولم يقل: إلا أن تضطرَّ.

وقد ذكر مالك (٢) عن نافع عن صفية ابنة أبي عُبيد أنَّها اشتكت عينها وهي حادٌّ على زوجها عبد الله بن عمر، فلم تكتحل حتَّى كادت عيناها تَرْمَصانِ (٣).

قال أبو عمر (٤): وهذا عندي ــ وإن كان ظاهره مخالفًا لحديثها الآخر، لما فيه من إباحته باللَّيل، وقوله في الحديث الآخر «لا» مرَّتين أو ثلاثًا على الإطلاق ــ أنَّ ترتيب الحديثين والله أعلم على أنَّ الشَّكاة الَّتي قال فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لا» لم تبلغ ــ والله أعلم ــ منها مبلغًا لا بدَّ لها فيه من الكحل؛ فلذلك نهاها، ولو كانت محتاجةً مضطرَّةً تخاف (٥) ذهابَ بصرها لأباح لها ذلك، كما فعل بالَّتي قال لها: «اجعليه باللَّيل وامسحيه بالنَّهار». والنَّظر يشهد لهذا التّأويل؛ لأنَّ الضَّرورات تنقل المحظوراتِ إلى حال المباح في الأصول، ولذلك جعل مالك فتوى أم سلمة هذه تفسيرًا للحديث المسند في الكحل؛ لأنَّ أم سلمة روتْه، وما كانت لتخالفه إذا صحَّ عندها، وهي أعلم بتأويله


(١) تقدم تخريجه (ص ٣٤٨).
(٢) (١٧٥٤). ومن طريقه عبد الرزاق (١٢١٢٥)، وأخرجه عبد الرزاق أيضًا (١٢١٢٦) من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع به.
(٣) رَمِصتِ العينُ: اجتمع في موقها وسخٌ أبيض.
(٤) في «التمهيد» (١٧/ ٣١٩).
(٥) ص، د: «لخافت».