للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روايةٍ، فلَأن تُستبرأ الأمة بهذا القدر أولى.

وعن أحمد روايةٌ رابعةٌ: أنَّها تُستبرأ بشهرين، حكاها القاضي عنه، واستشكلها كثيرٌ من أصحابه، حتَّى قال صاحب «المغني» (١): ولم أرَ لذلك وجهًا. قال: ولو كان استبراؤها بشهرين لكان استبراءُ ذاتِ القرء بقرءين، ولم نعلم به قائلًا.

ووجه هذه الرِّواية: أنَّها اعتُبِرت بالمطلَّقة، ولو طُلِّقت وهي أمةٌ لكانت عدَّتها شهرين، هذا هو المشهور عن أحمد، واحتجَّ فيه بقول عمر (٢) - رضي الله عنه -. وهو الصَّواب؛ لأنَّ الأشهر [قائمةٌ مقامَ] (٣) القروء، وعدَّة ذات القرء قرءانِ، فبَدَلُهما شهران، وإنَّما صرنا إلى استبراء ذات القرء بحيضةٍ؛ لأنَّها علمٌ ظاهرٌ على براءتها من الحمل، ولا يحصل ذلك بشهرٍ واحدٍ، فلا بدَّ من مدَّةٍ تظهر فيها براءتها، وهي إمَّا شهران أو ثلاثةٌ، فكانت الشَّهران أولى؛ لأنَّها جُعِلت عَلَمًا على البراءة في حقِّ المطلَّقة، ففي حقِّ المستبرأة أولى، فهذا وجه هذه الرِّواية.

وبعد، فالرَّاجح من الدَّليل الاكتفاءُ بشهرٍ واحدٍ، وهو الذي دلَّ عليه إيماء النَّصِّ وتنبيهه، وفي جعْلِ مدَّة استبرائها ثلاثةَ أشهرٍ تسويةٌ بينها وبين الحرَّة، وجَعْلها بشهرين تسويةٌ بينها وبين المطلَّقة، فكان أولى المُدَدِ بها شهرًا؛ فإنَّه البدل التَّامُّ. والشَّارع قد اعتبرَ نظيرَ هذا البدل في نظير الأمة، وهي


(١) (١١/ ٢٦٥).
(٢) تقدم تخريجه (ص ٢٨٧).
(٣) هنا بياض في النسخ.