للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيعها كالمُذكَّى، وقال بعضهم: بل هذا ينبني على أنَّ الدَّبغ إزالةٌ أو إحالةٌ، فإن قلنا: إحالةٌ جاز بيعه؛ لأنَّه قد استحال من كونه جزءَ ميتةٍ إلى عينٍ أخرى، وإن قلنا: إزالةٌ لم يجز بيعه؛ لأنَّ وصف الميتة هو المحرِّم لبيعه، وذلك باقٍ لم يستحلَّ.

وبَنَوا على هذا الخلاف جوازَ أكله، ولهم فيه ثلاثة أوجهٍ: أكله مطلقًا، وتحريمه مطلقًا (١)، والتَّفصيل بين جلد المأكول وغير المأكول. فأصحاب الوجه الأوَّل غَلَّبوا حكم الإحالة، وأصحاب الوجه الثَّاني غَلَّبوا حكم الإزالة، وأصحاب الوجه الثَّالث أجْرَوا الدِّباغ مُجرى الذَّكاة، فأباحوا بها ما يباح أكلُه (٢) إذا ذُكِّي دون غيره.

والقول بجواز أكله باطلٌ مخالفٌ لصريح السُّنَّة، ولهذا لم يُمكِن قائلَه القولُ به إلا بعد منعه كونَ الجلد بعد الدَّبغ ميتةً، وهذا منعٌ باطلٌ، فإنَّه جلد ميتةٍ حقيقةً وحسًّا وحكمًا، ولم يحدث له حياةٌ بالدَّبغ تَرفع عنه اسم الميتة. وكون الدَّبغ إحالةً باطلٌ حسًّا؛ فإنَّ الجلد لم تُستحلَّ ذاتُه وأجزاؤه وحقيقتُه بالدِّباغ، فدعوى أنَّ الدِّباغ إحالةٌ عن حقيقةٍ (٣) إلى حقيقةٍ أخرى، كما تُحيل النَّارُ الحطبَ إلى الرَّماد، والمَلَّاحةُ (٤) ما يلقى فيها من الميتات إلى الملح= دعوى باطلةٌ.


(١) «مطلقًا» ليست في ص، د.
(٢) بعدها في المطبوع: «بالذكاة» ليست في النسخ، ولا حاجة إليها.
(٣) ص، د: «حقيقته».
(٤) الملّاحة: مكان تكوُّنِ الملح.