للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإنَّها أقرب إلى مقصود أحمد، وأقرب إلى القياس؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لعن عاصرَ الخمر ومعتصَرها وحاملَها والمحمولةَ إليه (١)، فالعاصر والحامل قد عاوضا على منفعةٍ تستحقُّ عوضًا، وهي ليست محرَّمةً في نفسها، وإنَّما حُرِّمت بقصد المعتصر والمحتمل (٢)، فهو كما لو باع عنبًا وعصيرًا لمن يتَّخذه خمرًا، وفات العصير والخمر في يد المشتري، فإنَّ مال البائع لا يذهب مجَّانًا، بل يُقضى له بعوضه. كذلك هنا، المنفعة الَّتي وفَّاها المُؤجِر، لا تذهب مجَّانًا، بل يُعطى بدلها، فإنَّ تحريم الانتفاع بها (٣) إنَّما كان من جهة المستأجر، لا من جهة المُؤجِر، فإنَّه لو حملها للإراقة، أو لإخراجها إلى الصَّحراء خشيةَ التَّأذِّي بها= جاز. ثمَّ نحن نحرِّم الأجرة عليه لحقِّ الله سبحانه لا لحقِّ المستأجر والمشتري، بخلاف من (٤) استُؤجِر للزِّنا أو التَّلوُّط أو القتل أو السَّرقة، فإنَّ نفس هذا العمل محرَّمٌ [لا] (٥) لأجل قصد المستأجر، فهو كما لو باعه ميتةً أو خمرًا، فإنَّه لا يُقضى له بثمنها؛ لأنَّ نفس هذه العين محرَّمةٌ، وكذلك لا يُقضى له بعوض هذه المنفعة المحرَّمة.

قال شيخنا (٦): ومثل هذه الإجارة والجِعالة ــ يعني الإجارة على حمل الخمر والميتة ــ لا تُوصف بالصِّحَّة مطلقًا، ولا بالفساد مطلقًا، بل يقال: هي صحيحةٌ بالنِّسبة إلى المستأجر، بمعنى أنَّه يجب عليه العوض، وفاسدةٌ بالنِّسبة


(١) هو حديث لعن حامل الخمر نفسه، وقد تقدم تخريجه (ص ٤٦٥).
(٢) م: «والمحتمل». وفي «اقتضاء الصراط»: «المستحمل».
(٣) «بها» ليست في ص، د.
(٤) ص، د، ز: «ما».
(٥) زيادة من «اقتضاء الصراط المستقيم»، ليست في النسخ. وبها يستقيم المعنى.
(٦) في المصدر السابق. والكلام متصل بما قبله.