للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل المنفعة المعقود عليها هي المستحقَّة، فتكون هي المقابلة بالعوض، وهي منفعةٌ محرَّمةٌ، وإن كان للمستأجر أن يقيم غيرها مقامها. وألزموه ما لو اكترى دارًا ليتَّخذها مسجدًا، فإنَّه لا يستحقُّ عليه فعلَ المعقود عليه، ومع هذا فإنَّه أبطل هذه الإجارة بناءً على أنَّها اقتضت فعْلَ الصَّلاة، وهي لا تستحقُّ بعقد إجارةٍ.

ونازعه أصحاب أحمد ومالك في المقدِّمة الثَّانية، وقالوا: إذا غلب على ظنِّه أنَّ المستأجر ينتفع بها في محرَّمٍ حَرُمت الإجارة؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لعن عاصر الخمر ومعتصرها (١)، والعاصر إنَّما يعصر عصيرًا، لكن لمَّا علم أنَّ المعتصر يريد أن يتَّخذه خمرًا، فيعصره (٢) له، استحقَّ اللَّعنة.

قالوا: وأيضًا فإنَّ هذا معاونةٌ (٣) على نفس ما يسخطه الله ويُبغِضه، ويلعن فاعله، فأصول الشَّرع وقواعده تقضي بتحريمه وبطلان العقد عليه. وسيأتي مزيدُ تقريرِ هذا عند الكلام على حكمه - صلى الله عليه وسلم - بتحريم العِينة (٤)، وما يترتَّب عليها من العقوبة.

قال شيخنا - رضي الله عنه - (٥): والأشبه طريقة ابن أبي موسى (٦)، يعني أنَّه يُقضى له بالأجرة وإن كانت المنفعة محرَّمةً، ولكن لا يَطيب له أكلُها. قال:


(١) هو حديث لعن حامل الخمر نفسه، وقد تقدم تخريجه (ص ٤٦٥).
(٢) م: «فعصره».
(٣) د، ص، ز: «معاوضة».
(٤) تقدم تخريجه. وفي د، م: «الغيبة»، تصحيف.
(٥) «اقتضاء الصراط المستقيم» (٢/ ٤٥).
(٦) في المطبوع: «ابن موسى»، خطأ.