للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمَّا أبو حنيفة (١): فمذهبه كالرِّواية الأولى، أنَّه تصحُّ الإجارة، ويُقضى له بالأجرة. ومأخذُه في ذلك أنَّ الحمل إذا كان مطلقًا لم يكن المستحقُّ نفسَ حملِ الخمر، فذِكْره وعدم ذكره سواءٌ، وله أن يحمله شيئًا آخر غيره كخلٍّ وزيتٍ. وهكذا قال فيما لو آجرَه دارَه أو حانوتَه ليتَّخذها كنيسةً، أو ليبيع فيها الخمر.

قال أبو بكر الرازي: لا فرقَ عند أبي حنيفة بين أن يشترط أن يبيع فيه الخمر أو لا يشترط، وهو يعلم أنَّه يبيع فيه الخمر: أنَّ الإجارة تصحُّ؛ لأنَّه لا يستحقُّ عليه بعقد الإجارة فعل هذه الأشياء وإن شرطَ ذلك؛ لأنَّ له أن لا يبيع فيه الخمر، ولا يتَّخذ الدَّار كنيسةً، ويستحقُّ عليه الأجرة بالتَّسليم في المدَّة. فإذا لم يستحقَّ عليه فعل هذه الأشياء كان ذكرها وتركها سواءً، كما لو اكترى دارًا لينام فيها أو يسكنها، فإنَّ الأجرة تستحقُّ عليه، وإن لم يفعل ذلك. وكذا يقول فيما إذا استأجر رجلًا لحملِ خمرٍ أو ميتةٍ أو خنزيرٍ: إنَّه يصحُّ؛ لأنَّه لا يتعيَّن حمل الخمر، بل لو حمَّله بدله عصيرًا استحقَّ الأجرة، فهذا التَّقييد عنده (٢) لغوٌ، فهو بمنزلة الإجارة المطلقة، والمطلقة عنده جائزةٌ وإن غلبَ على ظنِّه أنَّ المستأجر يعصي فيها، كما يجوز بيع العصير لمن يتَّخذه خمرًا. ثمَّ إنَّه كره بيع السِّلاح في الفتنة، قال: لأنَّ السِّلاح معمولٌ للقتال لا يصلح لغيره.

وعامَّة الفقهاء خالفوه في المقدِّمة الأولى، وقالوا: ليس المقيَّد كالمطلق،


(١) د، ص، ز: «مذهب أبي حنيفة».
(٢) د، ص، ز: «عندهم».