للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والملح، وكذلك الكلأ النَّابت في أرضه، كلُّ ذلك يُخرَّج على الرِّوايتين في الماء. وظاهر المذهب أنَّ هذا الماء لا يُمْلَك، فكذلك هذه الأشياء. قال أحمد (١): لا يُعجِبني بيع الماء البتَّةَ. وقال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن قومٍ بينهم نهرٌ تَشرَب منه أَرَضُوهم (٢)، لهذا يومٌ، ولهذا يومان، يتَّفقون عليه بالحصص، فجاء يومي ولا أحتاج إليه، أُكرِيه بدراهم؟ قال: ما أدري، أمَّا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فنهى عن بيع الماء. قيل: إنَّه ليس يبيعه، إنَّما يُكرِيه، قال: إنَّما احتالوا بهذا لِيُحسِّنوه، فأيُّ شيءٍ هذا إلا البيع! انتهى.

وأحاديث اشتراك النَّاس في الماء دليلٌ ظاهرٌ على المنع من بيعه. وهذه المسألة الَّتي سُئل عنها أحمد - رحمه الله - هي الَّتي قد ابتُلِي بها النَّاس في أرض الشَّام وبساتينه وغيرها، فإنَّ الأرض والبستان يكون له حقٌّ من الشُّرب من نهرٍ، فيفضل (٣) عنه، أو يبنيه دورًا وحوانيت، ويُؤجِر ماءه، فقد توقَّف أحمد أوَّلًا، ثمَّ أجاب بأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الماء، فلمَّا قيل له: إنَّ هذا إجارةٌ، قال: هذه التَّسمية حيلةٌ، وهي تحسين اللَّفظ، وحقيقة العقد البيع، وقواعد الشَّريعة تقتضي المنع من بيع هذا الماء، فإنَّه إنَّما كان له حقُّ التَّقديم في سَقْي أرضه من هذا الماء المشترك بينه وبين غيره، فإذا استغنى عنه لم يجز له المعاوضة عنه، وكان المحتاج إليه أولى به بعده.

وهذا كمن أقام على معدنٍ، فأخذ منه صاحبه (٤)، لم يجز له أن يبيع


(١) انظر هذا القول وما بعده في «المغني» (٦/ ١٤٦).
(٢) في المطبوع: «أرضهم». والمثبت من النسخ موافق لما في «المغني».
(٣) في المطبوع: «فيفصل»، تصحيف.
(٤) كذا في جميع النسخ. وفي المطبوع: «حاجته».