للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل: قد قال بعض أصحابنا: لا يجوز له دخول ملكه لأخْذِ ذلك بغير إذنه. وهذا لا أصل له في كلام الشَّارع، ولا في كلام الإمام أحمد، بل قد نصَّ أحمد على جواز الرَّعي في أرضٍ [مغصوبة] (١) مع كون الأرض ليست مملوكةً له ولا مستأجرةً، ودخولها لغير الرَّعي ممنوعٌ منه. فالصَّواب أنَّه يجوز له دخولها لأخْذِ ما له أخْذُه، وقد يتعذَّر عليه غالبًا استئذان مالكها، ويكون قد احتاج إلى الشُّرب وسَقْيِ بهائمه ورعْيِ الكلأ، ومالك الأرض غائبٌ، فلو منعناه من دخولها إلا بإذنه كان في ذلك إضرارًا (٢) بيِّنًا به (٣).

وأيضًا فإنَّه لا فائدة لهذا الإذن؛ لأنَّه ليس لصاحب الأرض منعُه من الدُّخول، بل يجب عليه تمكينُه، فغاية ما يقدَّر أنَّه لم يأذن له، وهذا حرامٌ عليه شرعًا لا يحلُّ له منعه من الدُّخول، فلا فائدةَ في توقُّف دخوله على الإذن.

وأيضًا فإنَّه إذا لم يتمكَّن من أخذ حقِّه الذي جعله له الشَّارع إلا بالدُّخول، فهو مأذونٌ فيه شرعًا، بلى لو كان دخوله بغير إذنه يُعثِره (٤) على حريمه وأهلِه فإنه لا يجوز له الدُّخول بغير إذنٍ، فأمَّا إذا كان في الصَّحراء أو دارٍ فيها بئرٌ ولا أنيسَ بها، فله الدُّخول بإذنٍ وغيره، وقد قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: ٢٩]. وهذا


(١) هنا بياض في جميع الأصول بقدر كلمتين. وفي المطبوع مكانه: «غير مباحة». والمثبت من «مسائل الكوسج» (٣٣٦٤) و «المغني» (٧/ ٣٨٠).
(٢) كذا في النسخ منصوبًا، والصواب الرفع لكونه اسمًا لكان، ونصبه بعد الظرف والجار والمجرور خطأ شائع.
(٣) في المطبوع: «إضرار ببهائمه» خلاف النسخ.
(٤) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «لغيرة».