للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدُّخول الذي رفع عنه الجناح هو الدُّخول بلا إذنٍ، فإنَّه قد منعهم قبلُ من الدُّخول لغير بيوتهم حتَّى يستأنسوا ويسلِّموا على أهلها، والاستئناس هنا: الاستئذان، وهي في قراءة بعض السَّلف كذلك (١)، ثمَّ رفع عنهم الجناح في دخول البيوت غير المسكونة لأخْذِ متاعهم، فدلَّ ذلك على جواز الدُّخول إلى بيت غيره وأرضه غير المسكونة، لأخْذِ حقِّه من الماء والكلأ، فهذا ظاهر القرآن، وهو مقتضى نصِّ أحمد، وباللَّه التَّوفيق.

فإن قيل: فما تقولون في بيع البئر والعين نفسها، هل يجوز؟

قيل: نعم يجوز (٢)، قال الإمام أحمد (٣): إنَّما نُهِي عن بيع فضل ماء البئر والعيون في قراره، ويجوز بيع البئر نفسها والعين، ومشتريها أحقُّ بمائها. وهذا الذي قاله الإمام أحمد هو الذي دلَّ عليه السُّنَّة، فإنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «من يشتري بئر رُومةَ (٤) يوسِّع بها على المسلمين وله الجنَّة» أو كما قال، فاشتراها عثمان بن عفَّان من يهوديٍّ بأمر النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وسَبَّلها للمسلمين، وكان اليهوديُّ يبيع ماءها. وفي الحديث أنَّ عثمان اشترى منه نصفها باثني عشر ألفًا، ثمَّ قال لليهوديِّ: اختَرْ إمَّا أن تأخذها يومًا وآخذها أنا يومًا، وإمَّا أن تَنْصِب لك عليها دلوًا وأَنْصبِ عليها دلوًا، فاختار يومًا ويومًا، فكان النَّاس


(١) رُوي ذلك عن ابن عباس وأبيّ بن كعب وابن مسعود وسعيد بن جبير، انظر: «تفسير الطبري» (١٧/ ٢٣٩ - ٢٤١).
(٢) «قيل نعم يجوز» ساقطة من المطبوع.
(٣) كما في «المغني» (٦/ ١٤٧).
(٤) رومة: أرض بالمدينة بين الجرف وزعابة، نزلها المشركون عام الخندق، وفيها بئر رومة. انظر: «معجم البلدان» (٣/ ١٠٤).