والَّذين قالوا: لا يباع إلا لقطةً لقطةً لا ينضبط قولهم شرعًا ولا عرفًا، ويتعذَّر العمل به غالبًا، وإن أمكن ففي غاية العسر، ويؤدِّي إلى التَّنازع والاختلاف الشَّديد، فإنَّ المشتري يريد أخذ الصِّغار والكبار، ولا سيَّما إذا كان صغاره أطيبَ من كباره، والبائع لا يؤثر ذلك، وليس في ذلك عرفٌ منضبطٌ، وقد تكون المَقْثَأة كبيرة، فلا يستوعب المشتري اللُّقطة الظَّاهرة حتَّى يَحدُث فيها لقطة أخرى، ويختلط المبيع بغيره، ويتعذَّر تمييزه، ويتعذَّر أو يتعسَّر على صاحب المَقْثأة أن يحضر لها كلَّ وقتٍ من يشتري ما تجدَّد فيها، ويُفرِده بعقدٍ، وما كان هكذا فإنَّ الشَّريعة لا تأتي به، فهذا غير مقدورٍ ولا مشروعٍ، ولو أُلزِم النَّاس به لفسدت أموالهم وتعطَّلت مصالحهم. ثمَّ إنَّه يتضمَّن التَّفريقَ بين متماثلين من كلِّ الوجوه، فإنَّ بدوَّ الصَّلاح في المقاثئ بمنزلة بدوِّ الصَّلاح في الثِّمار، وتلاحقُ أجزائها كتلاحق أجزاء الثِّمار (١)، وجَعْلُ ما لم يُخْلَق منها تبعًا لما خُلِق في الصُّورتين واحدٌ، فالتَّفريق بينهما تفريقٌ بين متماثلين.
ولمَّا رأى هؤلاء ما في بيعها لقطةً لقطةً من الفساد والتَّعذُّر قالوا: طريق رفْعِ ذلك بأن يبيع أصلها معها. ويقال: إذا كان بيعها جملةً مُفسِدةً عندكم، وهو بيع معدومٍ وغررٍ، فإنَّ هذا لا يرتفع ببيع العروق الَّتي لا قيمة لها، وإن كان لها قيمةٌ فيسيرةٌ جدًّا بالنِّسبة إلى الثَّمن المبذول، وليس للمشتري قصدٌ في العروق، ولا يدفع فيها الجملة من المال، وما الذي حصل ببيع العروق معها من المصلحة لهما حتَّى شرط؟ وإذا لم يكن بيع أصول الثِّمار شرطًا في