صحَّة بيع الثَّمرة المتلاحقة كالتِّين والتُّوت وهي مقصودةٌ، فكيف يكون بيع أصول المقاثئ شرطًا في صحَّة بيعها وهي غير مقصودةٍ؟
والمقصود أنَّ هذا المعدوم يجوز بيعه تبعًا للموجود، ولا تأثيرَ للمعدوم، وهذا كالمنافع المعقود عليها في الإجارة، فإنَّها معدومةٌ، وهي مورد العقد؛ لأنَّها لا يمكن أن تَحدُث دفعةً واحدةً، والشَّرائع مبناها على رعاية مصالح العباد، وعدمِ الحجر عليهم فيما لا بدَّ لهم منه، ولا تتمُّ مصالحهم في معاشهم إلا به.
فصل
الثَّالث: معدومٌ لا يُدرى يَحصلُ أو لا يحصل، ولا ثقةَ لبائعه بحصوله، بل يكون المشتري منه على خطرٍ، فهذا الذي منع الشَّارع بيعَه لا لكونه معدومًا، بل لكونه غررًا، فمنه صورة النَّهي الَّتي تضمَّنها حديث حكيم بن حزامٍ وابن عمرو (١)، فإنَّ البائع إذا باع ما ليس في مِلكه، ولا له قدرةٌ على تسليمه؛ ليذهب ويُحصِّله ويسلِّمه إلى المشتري، كان ذلك شبيهًا بالقِمار والمخاطرة من غير حاجةٍ بهما إلى هذا العقد، ولا تتوقَّف مصلحتهما عليه. وكذلك بيع حبل الحبلة، وهو بيع حمل ما تحمل ناقته، ولا يختصُّ هذا النَّهي بحمل الحمل، بل لو باعه ما تحمل ناقته أو بقرته أو أمته كان من بيوع الجاهليَّة الَّتي يعتادونها.
وقد ظنَّ طائفةٌ أنَّ بيع السَّلَم مخصوصٌ من النَّهي عن بيع ما ليس عنده، وليس كما ظنُّوه، فإنَّ السَّلَم يرد على أمرٍ مضمونٍ في الذِّمَّة، ثابتٍ فيها،