للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقدورٍ على تسليمه عند محلِّه، ولا غررَ (١) في ذلك ولا خطرَ، بل هو جعل المال في ذمَّة المُسْلَم إليه، يجب عليه أداؤه عند محلِّه، فهو يُشبِه تأجيل الثَّمن في ذمَّة المشتري، فهذا شَغْلٌ لذمَّة المشتري بالثَّمن المضمون، وهذا شَغْلٌ لذمَّة البائع بالمبيع المضمون، فهذا لونٌ وبيعُ ما ليس عنده لونٌ. ورأيتُ لشيخنا في هذا الحديث فصلًا مفيدًا، وهذه سياقته:

قال (٢): للنَّاس في هذا الحديث أقوالٌ:

قيل: المراد بذلك أن يبيع السِّلعة المعيَّنة الَّتي هي مال الغير، فيبيعها، ثمَّ يتملَّكها، ويُسلِّمها إلى المشتري. والمعنى: لا تبِعْ ما ليس عندك من الأعيان، ونقل هذا التَّفسير عن الشَّافعيِّ، فإنَّه يجوِّز السَّلم الحالَّ، وقد لا يكون عند المُسلَم إليه ما باعه، فحمله على بيع الأعيان ليكون بيع ما في الذِّمَّة غيرَ داخلٍ تحته، سواءٌ كان حالًّا أو مؤجَّلًا.

وقال آخرون: هذا ضعيفٌ جدًّا، فإنَّ حكيم بن حزامٍ ما كان يبيع شيئًا معيَّنًا هو مِلْكٌ لغيره، ثمَّ ينطلق فيشتريه منه، ولا كان الذين يأتونه يقولون: نطلب عبدَ فلانٍ أو دارَ فلانٍ، وإنَّما الذي يفعله النَّاس أن يأتيه الطَّالب فيقول: أريد طعامًا كذا وكذا، أو ثوبًا كذا وكذا، أو غير ذلك، فيقول: نعم أعطيك، فيبيعه منه، ثمَّ يذهب، فيُحصِّله من عند غيره إذا لم يكن عنده. هذا هو الذي يفعله من يفعله من النَّاس، ولهذا قال: يأتيني فيطلب منِّي البيعَ ليس عندي، لم يقل: يطلب منِّي مما هو مملوكٌ لغيري، فالطَّالب طلب الجنسَ لم يطلب شيئًا معيَّنًا، كما جرت عادة الطَّالب لما يُؤكل ويُلبس ويُركب، إنَّما


(١) ص، د، ح: «ولا يجوز»، تحريف.
(٢) لم أجد كلامه في كتبه المطبوعة.