للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذِّمَّة، فالمعيَّن الموصوف أولى بالجواز، فإنَّ المطلق فيه من الغرر والخطر والجهل أكثر ممَّا في المعيَّن، فإذا جاز بيع حنطةٍ مطلقةٍ بالصِّفة، فجواز بيعها معيَّنةً بالصِّفة أولى، بل لو بِيعَ المعيَّنُ بلا صفةٍ (١)، وللمشتري الخيارُ إذا رآه، جاز أيضًا، كما نقل عن الصَّحابة، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الرِّوايتين، وقد جوَّز القاضي وغيره من أصحاب أحمد السَّلَم الحالَّ بلفظ البيع.

والتَّحقيق: أنَّه لا فرقَ بين لفظٍ ولفظٍ، فالاعتبار في العقود بحقائقها ومقاصدها لا بمجرَّد ألفاظها، ونفس بيع الأعيان الحاضرة الَّتي يتأخَّر قبضُها يُسمَّى سَلَفًا إذا عجَّل له الثَّمن، كما في «المسند» (٢) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه نهى أن يُسلِم في حائطٍ بعينه إلا أن يكون قد بدا صلاحه. فإذا بدا صلاحه وقال: أسلمت إليك في عشرة أوسقٍ من تمر هذا الحائط، جاز، كما يجوز أن يقول: ابتعتُ عشرة أوسقٍ من هذه الصُّبرة، ولكنَّ الثَّمن يتأخَّر قبضه إلى كمال صلاحه، فإذا عجَّل له الثَّمن قيل له: سلفٌ؛ لأنَّ السَّلف هو الذي تقدَّم، والسَّالف المتقدِّم، قال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: ٥٦]. والعرب تُسمِّي أوَّل الرَّواحل: السَّالفة، ومنه قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «الحقي بسلفنا الخَيرِ (٣) عثمان بن مظعونٍ» (٤)،

وقول الصِّدِّيق: لأقاتلنَّهم


(١) م: «بالصفة». والمثبت من بقية النسخ.
(٢) لم أقف عليه في «المسند» بهذا اللفظ، والذي في «المسند» (٥٠٦٧): نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن السلم في النخل حتى يبدو صلاحه. وأخرجه أبو داود (٣٤٦٧) وابن ماجه (٢٢٨٤)، وفي إسناده جهالة، فإن كان هو المراد فللحديث أصل في البخاري (٢٢٤٧) ومسلم (١٥٣٤).
(٣) في المطبوع: «ألحق بسلفنا الصالح» خلاف النسخ والرواية.
(٤) أخرجه أحمد (٢١٢٧) وأبو داود الطيالسي (٢٨١٧) وابن سعد في «الطبقات» (٣/ ٣٩٨) والطبراني في «الكبير» (٩/ ٣٧) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وله شاهد من حديث أنس عند الطبراني في «الأوسط» (٦/ ٤٦)، ومن حديث الأسود بن سريع عند البخاري في «التاريخ الكبير» (٧/ ٣٧٨) والطبراني في «الكبير» (١/ ٢٨٦)، وفي أسانيدها كلام ..