للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتَّغيُّر، والمسك الذي في الفأْر عند النَّاس خيرٌ من المنفوض، وجرت عادة التُّجَّار ببيعه وشرائه فيها، ويعرفون قدره وجنسه معرفةً لا تكاد تختلف، فليس من الغرر في شيءٍ. فإنَّ الغرر (١) هو ما تردَّد بين الحصول والفوات، وعلى العادة (٢) الأخرى: هو ما طُوِيتْ معرفته وجُهِلت معيّنه (٣)، وأمَّا هذا ونحوه فلا يسمَّى غررًا لا لغةً ولا شرعًا ولا عرفًا. ومَن حرَّم بيع شيءٍ، وادَّعى أنَّه غررٌ، طولب بدخوله في مسمَّى الغرر لغةً أو شرعًا. وجواز بيع المسك في الفأر أحد الوجهين لأصحاب الشَّافعيِّ، وهو الرَّاجح دليلًا، والَّذين منعوه جعلوه مثل بيع النَّوى في التَّمر، والبيض في الدَّجاج، واللَّبن في الضَّرع، والسَّمْن في الوعاء، والفرق بين النَّوعين ظاهرٌ.

ومنازعوهم يجعلونه مثل بيع قلب الجوز واللَّوز والفستق في صِوَانِه (٤)؛ لأنَّه من مصلحته، ولا ريبَ أنَّه أشبهُ بهذا منه بالأوَّل، فلا هو ممَّا نهى عنه الشَّارع، ولا من معناه، فلم يشمَلْه نهيه لفظًا ولا معنًى.

وأمَّا بيع السَّمْن في الوعاء ففيه تفصيلٌ، فإنَّه إن فتحَه ورأى رأسه بحيث يدلُّه على جنسه ووصفه جاز بيعه في السِّقاء، لكنَّه يصير كبيع الصُّبرة الَّتي شاهد ظاهرها، وإن لم يَرَه ولم يُوصَف له لم يجزْ بيعه؛ لأنَّه غررٌ، فإنَّه يختلف جنسًا ونوعًا ووصفًا، وليس مخلوقًا في وعائه كالبيض والجوز


(١) «فإن الغرر» ساقطة من د.
(٢) كذا في النسخ. وفي المطبوع: «القاعدة».
(٣) كذا في النسخ. وفي هامش ص: لعله «عينه».
(٤) الصِّوان: ما يُصَان به أو فيه الكتب والملابس ونحوها، والمقصود به هنا غلاف هذه الأشياء.