للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوضِّحه الوجه الخامس: أنَّ الأصل في العقود وجوب الوفاء إلا ما حرَّمه الله ورسوله، فإنَّ المسلمين على شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا، فلا يحرم من الشُّروط والعقود إلا ما حرَّمه الله ورسوله، وليس مع المانعين نصٌّ بالتَّحريم البتَّةَ، وإنَّما معهم قياسٌ قد عُلِم أنَّ بين الأصل والفرع فيه من الفرق ما يمنع الإلحاق، وأنَّ القياس الذي مع من أجاز ذلك أقربُ إلى مساواة الفرع لأصله، وهذا ما لا حيلةَ فيه، وباللَّه التَّوفيق.

يوضِّحه الوجه السَّادس: وهو أنَّ الذين منعوا هذه الإجارة لمَّا رأوا إجارة الظِّئر ثابتةً بالنَّصِّ والإجماع، والمقصود بالعقد إنَّما هو اللَّبن، وهو عينٌ= تمحَّلوا (١) لجوازها أمرًا يعلمون هم والمرضعة والمستأجر بطلانَه، فقالوا: العقد إنَّما وقع على وضعِها الطِّفلَ في حجْرها وإلقامِه ثدْيَها فقط، واللَّبن يدخل تبعًا. والله يعلم والعقلاء قاطبةً أنَّ الأمر ليس كذلك، وأنَّ وضع الطِّفل في حجْرها ليس مقصودًا أصلًا، ولا وردَ عليه عقد الإجارة لا عرفًا ولا حقيقةً ولا شرعًا، ولو أرضعت الطِّفلَ وهو في حجْر غيرها أو في مَهْده لاستحقَّت الأجرة، ولو كان المقصود إلقام الثَّدي المجرَّد لاستُؤجِر له كلُّ امرأةٍ لها ثديٌ، ولو لم يكن لها لبنٌ، فهذا هو القياس الفاسد حقًّا والفقه البارد، فكيف يقال: إنَّ إجارة الظِّئر على خلاف القياس، ويُدَّعى أنَّ هذا هو القياس الصَّحيح؟

الوجه السَّابع: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ندبَ إلى منيحة العَنْز (٢) والشَّاة للبنها،


(١) ص، د، م: «فمحلوا».
(٢) د، ز: «البعير». والعنز: الأنثى من المعز.