للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحضَّ على ذلك، وذكر ثواب فاعله (١). ومعلومٌ أنَّ هذا ليس ببيعٍ ولا هبةٍ، فإنَّ هبة المعدوم المجهول لا تصحُّ، وإنَّما هو عاريَة الشَّاة (٢) للانتفاع بلبنها، كما يُعيره الدَّابَّةَ لركوبها، فهذا إباحةٌ للانتفاع بِدَرِّها، وكلاهما في الشَّرع واحدٌ، وما جاز أن يُستوفى بالعارية جاز أن يُستوفى بالإجارة، فإنَّ موردهما واحدٌ، وإنَّما يختلفان في التَّبرُّع بهذا والمعاوضة على الآخر.

والوجه الثَّامن: ما رواه حربٌ الكرمانيُّ في «مسائله» (٣): حدَّثنا سعيد بن منصورٍ، ثنا عبَّاد بن عبَّادٍ، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن أُسَيد بن حُضَيرٍ توفِّي وعليه ستَّة آلاف درهمٍ دينٌ، فدعا عمر بن الخطَّاب غُرَماءه، فقبَّلَهم أرضَه (٤) سنتين.

وفيها الشَّجر والنَّخل، وحدائق المدينة الغالب عليها النَّخل، والأرضُ البيضاء فيها قليلٌ. فهذا إجارة الشَّجر لأخْذِ ثمرها، ومن ادَّعى أنَّ ذلك خلاف الإجماع فمِن عدمِ علمِه، بل ادَّعاء الإجماع على جواز ذلك أقرب، فإنَّ عمر فعلَ ذلك بالمدينة النَّبويَّة بمشهد المهاجرين والأنصار، وهي قصَّةٌ في مظنَّة الاشتهار، ولم يقابلها أحدٌ بالإنكار، بل تلقَّاها الصَّحابة بالتَّسليم


(١) أخرجه البخاري (٢٦٣١) من حديث عبد الله بن عمرو.
(٢) م، ز: «للشاة».
(٣) لم أقف عليه في القدر المطبوع من «مسائل حرب الكرماني»، وقد روي من طرق أخرى بألفاظ مختلفة، فأخرجه ابن أبي شيبة (٢٣٧٢٣)، والبخاري في «الأوسط» (١/ ٧١)، وابن سعد في «الطبقات» (٣/ ٤٥٥)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٩/ ٩٤)، وصحح إسناد حرب شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٤٧٩، ٣٠/ ٢٢٥).
(٤) ص، د: «أرضهم»، خطأ.