للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للدعاء والثناء، وقد جمعهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه. ودعاء القنوت ثناءٌ ودعاءٌ، فهو أولى بهذا المحلِّ.

وإذا جهَر به الإمام أحيانًا ليعلِّمه المأمومين، فلا بأس بذلك. فقد جهَر عمر بالاستفتاح ليعلِّم المأمومين (١)، وجهَر ابن عباس بقراءة الفاتحة (٢) في صلاة الجنازة ليعلِّمهم أنها سنَّةٌ (٣)؛ ومن هذا أيضًا جهرُ الإمام بالتأمين. وهذا من الاختلاف المباح الذي لا يعنَّف فيه مَن فعله ولا مَن تركه. وهذا كرفع اليدين في الصلاة وتركه، وكالخلاف في أنواع التشهُّدات، وأنواع الأذان والإقامة، وأنواع النُّسُك من الإفراد والقِران والتمتُّع.

وليس مقصودنا إلا ذكر هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يفعله هو، فإنه قبلة القصد، وإليه التوجُّه في هذا الكتاب، وعليه مدار التفتيش والطلب. وهذا شيءٌ، والجائز الذي لا ينكَر فعلُه وتركُه شيءٌ. فنحن لم نتعرَّض في هذا الكتاب لما يجوز ولما لا يجوز، وإنما مقصودنا فيه هديُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يختاره لنفسه، فإنه أكمل الهدي وأفضله. فإذا قلنا: لم يكن من هديه المداومة على القنوت في الفجر، ولا الجهر بالبسملة، لم يدلَّ ذلك على كراهية غيره، ولا أنه بدعةٌ؛ ولكن هديه - صلى الله عليه وسلم - أكمل الهدي وأفضله. والله المستعان.

وأما حديث أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس قال: «ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنُت في الفجر حتى فارق الدنيا» ــ وهو في «المسند»


(١) تقدم في فصل هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة في معرض ذكر أدعية الاستفتاح (ص ٢٢٦).
(٢) ك، ع: «في قراءة الفاتحة».
(٣) سيأتي بعد فصل سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الميت قبل الصلاة عليه: هل عليه دين أم لا؟