للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من جهة المعنى، لأن القنوت هو الدعاء، ومعلومٌ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يصلِّ صلاةً مكتوبةً إلا دعا فيها كما تقدَّم. وهذا هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر ــ إن صحَّ ــ أنه لم يزل يقنُت حتى فارق الدنيا؛ ونحن لا نشكُّ ولا نرتاب في (١) صحة ذلك، وأنَّ دعاءه في الفجر استمرَّ إلى أن فارق الدنيا.

الوجه الرابع: أن طرق أحاديث أنس تبيِّن المراد، ويصدِّق بعضها بعضًا، ولا تتناقض. وفي «الصحيحين» (٢) من حديث عاصم الأحول قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت في الصلاة، قال: نعم (٣). فقلت: كان قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله. قلت: فإنَّ فلانًا أخبرني عنك أنَّك قلت: قنَت بعده. قال: كذب، إنما حديثٌ قنَت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الركوع شهرًا.

وقد ظنَّ طائفةٌ أن هذا حديثٌ معلولٌ تفرَّد به عاصم، وسائر الرواة عن أنس خالفوه، فقالوا: عاصم ثقةٌ جدًّا، غير أنه خالف أصحاب أنس في موضع القنوتين، والحافظ قد يهِم، والجواد ربما يعثُر.

وحكوا عن الإمام أحمد تعليله، فقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله ــ يعني أحمد بن حنبل ــ: يقول أحدٌ في حديث أنس: إنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قنَت قبل الركوع غير عاصم الأحول؟ فقال: ما علمتُ أحدًا يقوله غيره. قال أبو عبد الله: خالفهم عاصم كلَّهم. هشام عن قتادة عن أنس، والتَّيمي (٤) عن أبي مِجْلَز


(١) هنا انتهى الخرم في مب.
(٢) البخاري (٤٠٩٦) ومسلم (٦٧٧).
(٣) غيَّره الفقي إلى «فقال: قد كان القنوت»، وهو لفظ البخاري (١٠٠٢). وفي الأصول جميعًا والطبعات القديمة ما أثبت، وهو لفظ البخاري (٤٠٩٦).
(٤) ك، ع: «التميمي»، تصحيف.