للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عازب ــ ركوعه واعتداله وسجوده وقيامه متقاربًا، فكان يظهر من تطويله بعد الركوع في صلاة الفجر ما لا يظهر في سائر الصلوات (١). ومعلومٌ أنه كان يدعو ربَّه ويثني عليه ويمجِّده في هذا الاعتدال، كما تقدَّمت الأحاديث بذلك، وهذا قنوتٌ منه بلا ريب. فنحن لا نشكُّ ولا نرتاب أنه لم يزل يقنُت في الفجر حتى فارق الدنيا.

ولمَّا صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو (٢) هذا الدعاء المعروف «اللهمَّ اهدني فيمن هديت» إلى آخره، وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر إلى أن فارق الدنيا، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة= حملوا القنوتَ في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم، ونشأ مَن لا يعرف غير ذلك، فلم يشُكَّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا مداومين على هذا كلَّ غداة. وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا: لم يكن هذا من فعله الراتب، بل ولا يثبت (٣) عنه أنه فعله.

وغاية (٤) ما روي عنه في هذا القنوت أنه علَّمه للحسن بن عليّ كما في «المسند» و «السنن الأربعة (٥)» (٦)

عنه قال: علَّمني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كلماتٍ


(١) أخرجه البخاري (٧٩٢) ومسلم (٤٧١)، وقد تقدم مرارًا.
(٢) لم يرد «هو» في ك، ع.
(٣) «بل» ساقط من ك، ع. وفي ص، ج، ن: «ثبت» في موضع «يثبت».
(٤) ك، ع: «وغايته».
(٥) في النسخ المطبوعة: «الأربع»، والوارد في الأصول لا غبار عليه.
(٦) أبو داود (١٤٢٥) والترمذي (٤٦٤) والنسائي في «المجتبى» (١٧٤٥) و «الكبرى» (١٤٤٦) وابن ماجه (١١٧٨) وغيرهم من طريق أبي إسحاق السَّبِيعي عن بُريد بن أبي مريم عن أبي الحَوراء السَّعدي عن الحسن بن علي، بزيادة كون هذا الدعاء في القنوت أو قنوت الوتر. وتابعه عليه ابنه يونس وغيره عند أحمد (١٧١٨) وعبد الرزاق (٤٩٨٤) وابن خزيمة (١٠٩٥) والبيهقي في «معرفة السنن» (٣/ ١٣٠) والطبراني (٣/ ٧٥).

وروى شعبة عن بريد بسياق آخر وأطول، وفيه تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الدعاء دون ذكر القنوت والوتر، كما أخرجه الطيالسي (١٢٧٥) وأحمد (١٧٢٣) والدارمي (١٦٣٢) والبزار (٤/ ١٧٥) وأبو يعلى (٦٧٥٩) والطبراني (٣/ ٧٥)، وصححه ابن خزيمة (١٠٩٦) وابن حبان (٩٤٥). قال ابن خزيمة: «ولم يذكر القنوت ولا الوتر، وشعبة أحفظ من عدد مثل يونس بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق لا يُعلَم أسمِع هذا الخبر من بُريد أو دلسه عنه، اللهم إلا أن يكون كما يدعي بعض علمائنا أن كل ما رواه يونس عن من رواه عنه أبوه أبو إسحاق هو مما سمعه يونس مع أبيه ممن روى عنه. ولو ثبت الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالقنوت في الوتر، أو قنت في الوتر لم يجُز عندي مخالفة خبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولست أعلمه ثابتًا». وبنحوه قال ابن حبان في كتابه «وصف الصلاة بالسنة» كما نقله عنه ابن الملقن في «البدر المنير» (٣/ ٦٣٤) وزاد: «وهذه اللفظة (علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في قنوت الوتر) ليست بمحفوظة، لأن الحسن بن علي قُبِض المصطفى وهو ابن ثمان سنين، فكيف يعلِّم المصطفى ابنَ ثمان سنين دعاء القنوت في الوتر ويترك أولي الأحلام والنُّهى من الصحابة و لا يأمرهم به ... فلو كانت هذه اللفظة محفوظة لبادر بها شعبة في خبره، إذ الإتقان به أحرى، والضبط للإسناد به أولى من أبي إسحاق وابنيه». وقد نقل أحمد في «العلل» برواية ابنه عبد الله (٤٦٨٢) عن يحيى القطان أنه قال: «كان شعبة ينكر القنوت في الوتر وفي الفجر».
وانظر: «دراسة وتحقيق كتاب صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للألباني» لسامي الخليل (ص ٤٦٠ - ٤٦٤).