للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فنقول وبالله التوفيق: أحاديثُ أنس كلُّها صحاحٌ، يصدِّق بعضها بعضًا، ولا تتناقض. فالقنوت الذي ذكره قبل الركوع غير الذي ذكره بعده، والذي وقَّته غيرُ الذي أطلقه. فالذي ذكره قبل الركوع هو إطالة القيام للقراءة، الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصلاة طول القنوت». والذي ذكره بعده هو إطالة القيام للدعاء، ففعله شهرًا يدعو على قوم ويدعو لقوم، ثم استمرَّ يطيل هذا الركن للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا، كما في «الصحيحين» (١) عن ثابت عن أنس قال: «إني لا آلو أن أصلِّي بكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي بنا». قال: وكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكَث حتى يقول القائل: قد نسي.

فهذا هو القنوت الذي ما زال عليه حتى فارق الدنيا. ومعلومٌ أنه لم يكن يسكت في مدَّة هذا الوقوف الطويل، بل كان يثني على ربِّه ويمجِّده (٢) ويدعوه. وهذا غير القنوت الموقَّت بشهر، فإن ذاك دعاءٌ على رِعْلٍ وذكوان وعُصَيَّة وبني (٣) لِحيان، ودعاءٌ للمستضعفين الذين كانوا بمكة.

وأما تخصيص هذا بالفجر فبحسب سؤال السائل، فإنه إنما سأل عن قنوت الفجر، فأجابه عمَّا سأله عنه. وأيضًا فإنه كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات، ويقرأ فيها بالستِّين إلى المائة. وكان ــ كما قال البراء بن


(١) أخرجه البخاري (٨٢١) ومسلم (٤٧٢)، وقد تقدم منه قول ثابت في هديه - صلى الله عليه وسلم - في إطالة الجلوس بين السجدتين.
(٢) ج: «يحمده».
(٣) لفظ «بني» ساقط من ص.