للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول عائشة: «لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي الضحى إلا أن يقدَم من مغيبه» فهذا من أبين الأمور أنَّ صلاته لها إنما كانت لسبب، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قدِم من سفر بدأ بالمسجد، فصلَّى فيه ركعتين. فهذا كان هديه، وعائشة أخبرت بهذا وهذا، وهي القائلة: ما صلَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الضحى قطُّ.

فالذي أثبتَتْه فعلُها لسببٍ كقدومه من سفر، وفتحه، وزيارته لقوم ونحوه. وكذلك إتيانه مسجدَ قباء للصلاة فيه. وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب (١): ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا سلمة بن رجاء، حدثتنا الشعثاء قالت: رأيت ابن أبي أوفى صلَّى الضحى ركعتين يوم بُشِّر برأس أبي جهل. فهذا إن صحَّ فهو صلاة شكر وقعت وقتَ الضحى كشكر الفتح.

والذي نفته هو ما كان يفعله الناس: يصلُّونها (٢) لغير سبب، وهي لم تقل: إن ذلك مكروه ولا مخالف لسنَّته، ولكن لم يكن من هديه فعلُها لغير سبب. وقد أوصى بها، وندب إليها، وحضّ عليها. وكان يستغني عنها بقيام الليل فإنَّ فيه غُنيةً عنها، وهي كالبدل منه. قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً


(١) من طريقه أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (٥/ ٨١)، وأخرجه الدارمي (١٥٠٣) وابن ماجه (١٣٩١) والبزار (٨/ ٢٩٥، ٢٩٦) وابن المنذر في «الأوسط» (٥/ ٢٩٦) وابن عدي في «الكامل» في ترجمة سلمة بن رجاء (٥/ ٤٤٣، ٤٤٤) والعقيلي في «الضعفاء» (٢/ ٥٦١) من طرق عن سلمة بن رجاء به. ومدار الحديث على سلمة بن رجاء هذا، وإن كان من رواة البخاري فقد تفرد بهذا الحديث، قال ابن عدي: «وأحاديثه أفراد وغرائب، ويحدِّث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليه»، وكذلك استغرب العقيليُّ حديثَه. وسلمة ضعفه ابن معين والنسائي، وقال الدارقطني: ينفرد عن الثقات بأحاديث. انظر: «تهذيب التهذيب» (٤/ ١٤٥).
(٢) ق: «بصلاتها»، وهو ساقط من ك، مستدرك في حاشية ع.