للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والترمذي (١) من حديث عبد الله بن مسعود ــ إن صحّ ــ قال: قلما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر يوم جمعة. فإن صحَّ هذا تعيَّن حملُه على أنه كان يدخل في صيامه (٢)، لا أنه (٣) كان يفرده، لصحة النهي عنه. وأين أحاديث النهي الثابتة في «الصحيحين» من حديث الجواز الذي لم يروه أحد من أهل الصحيح، وقد حكم الترمذي بغرابته؛ فكيف يعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة (٤)، ثم يقدَّم عليها؟

والمأخذ الثالث: حماية الذريعة (٥) من أن يُلحق بالدِّين ما ليس منه ويُوجِب التشبُّه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرُّد عن الأعمال الدنيوية. وينضمُّ إلى هذا المعنى: أنَّ هذا اليوم لما كان ظاهر الفضل على الأيام كان الداعي إلى صومه قويًّا، فهو في مظِنَّةِ تتابعِ الناس في صومه واحتفالهم به ما لا يحتفلون بصوم يومٍ غيره. وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه. ولهذا المعنى ــ والله أعلم ــ نهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي، لأنها من أفضل الليالي حتى فضَّلها بعضُهم على ليلة القدر، وحكيت رواية عن أحمد. فهي في مظنَّة تخصيصها بالعبادة، فحمَى (٦) الشارع الذريعة، وسدَّها بالنهي عن تخصيصها بالقيام. والله أعلم.


(١) أحمد (٣٨٦٠) والنسائي في «المجتبى» (٢٣٦٨) و «الكبرى» (٢٦٨٩، ٢٧٧١) والترمذي (٧١٢)، وقد تقدم.
(٢) ص: «على صيامه».
(٣) في ص: «لأنه»، تحريف.
(٤) في ص بياض في موضع «الصريحة».
(٥) ما عدا ص، ج: «سدّ الذريعة».
(٦) في النسخ المطبوعة: «فحسم»، ولعله تصرف بعض النساخ.