الحروف. فلهذا نُقلِت تلك بألفاظها، ولم يمكن نقلُ هذه بألفاظها، بل نُقِل منها ما أمكن نقلُه، كترجيع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سورة الفتح بقوله: آ آ آ.
قالوا: والتطريب والتلحين يرجع إلى أمرين: إلى مدٍّ وترجيع. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يمُدُّ صوتَه بالقراءة. يمُدُّ (الرحمن) ويمُدُّ (الرحيم). وثبت عنه الترجيع كما تقدَّم.
قال المانعون من ذلك: الحجة لنا وجوه. أحدها: ما رواه حذيفة بن اليمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرؤوا القرآن بلُحون العرب وأصواتها. وإياكم ولُحونَ أهل الكتاب والفسق، فإنه سيجيء من بعدي أقوام يرجِّعون بالقرآن ترجيع الغناء والنَّوح، لا يجاوِزُ حناجرَهم، مفتونةً قلوبهم وقلوبُ الذين يُعجِبهم شأنُهم». رواه أبو الحسن رَزين في «تجريد الصِّحاح»، ورواه أبو عبد الله الترمذي الحكيم في «نوادر الأصول»(١). واحتجَّ به القاضي أبو يعلى في «الجامع». واحتجَّ معه بحديث آخر أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ذكر شرائط الساعة وذكر أشياء منها: «وأن يُتَّخذ القرآنُ مزاميرَ، يقدِّمون أحدَهم ليس بأقرئهم ولا
(١) «نوادر الأصول» (٦/ ٨١ - ط. دار النوادر)، وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص ١٦٥) والمستغفري في «فضائل القرآن» (٤٢) وابن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص ١٣٥) وابن عدي في «الكامل» في ترجمة بقية بن الوليد (٢/ ٥٤٥) والطبراني في «الأوسط» (٧٢٢٣) والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٤٠٦)، كلهم من طريق بقية بن الوليد عن الحصين الفزاري عن أبي محمد عن حذيفة. قال ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١/ ١١١): «هذا حديث لا يصح، وأبو محمد مجهول، وبقية يروي عن حديث الضعفاء ويدلسهم». وضعفه أيضًا الحافظ في «نتائج الأفكار» (٣/ ٢٢٣).