للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن قيل: فما حكم هذه المسألة، وهل الوصال جائزٌ أو محرَّمٌ أو مكروهٌ؟

قيل: قد اختلف النَّاس في هذه المسألة على ثلاثة أقوالٍ:

أحدها: أنَّه جائزٌ لمن (١) قدر عليه، وهذا يُروى عن عبد الله بن الزبير (٢) وغيره من السَّلف (٣)، وكان ابن الزبير يواصل الأيَّام. ومن حجَّة أرباب هذا القول أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - واصل بالصَّحابة مع نهيه لهم عن الوصال، كما في «الصَّحيحين» (٤) من حديث أبي هريرة: أنَّه نهى عن الوصال وقال: «إنِّي لستُ كهيئتكم»، فلمَّا أبوا أن ينتهوا واصلَ بهم يومًا ثمَّ يومًا (٥). فهذا فيه وصاله بهم بعد نهيه عن الوصال، فلو كان النَّهي للتَّحريم لما أبوا أن ينتهوا، ولَمَا أقرَّهم عليه بعد ذلك.

قالوا: فلمَّا فعلوه بعد نهيه وهو يعلم ويُقِرُّهم، عُلِم أنَّه أراد الرَّحمة بهم والتَّخفيف عنهم، وقد قالت عائشة: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال رحمةً لهم». متَّفقٌ عليه (٦).

وقالت طائفةٌ أخرى: لا يجوز الوصال، منهم مالك وأبو حنيفة


(١) ق، م، مب: «إن».
(٢) روى ابن أبي شيبة (٩٦٩٢) عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: «دخلت على ابن الزبير صبيحة خمسة عشر من الشهر، وهو مواصل». رجاله كلهم ثقات.
(٣) انظر: «مصنف ابن أبي شيبة» (٩٦٩٠، ٩٦٩١).
(٤) ليس فيهما، بل هو عند مالك (٨٢٨) ومن طريقه عند الشافعي كما في «معرفة السنن» (٦/ ٣٤٤).
(٥) بعدها في ص، ق، ع، ج، م، مب: «ثم يومًا». وليست في ك و «الصحيحين».
(٦) رواه البخاري (١٩٦٤) ومسلم (١١٠٥). وقد تقدم.