للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والشَّافعيُّ والثَّوريُّ. قال ابن عبد البرِّ (١) ــ وقد حكاه عنهم ــ: إنَّهم لم يجيزوه لأحدٍ (٢).

قلت: الشَّافعيُّ نصَّ على كراهته (٣)، واختلف أصحابه هل هي كراهة تحريمٍ أو تنزيهٍ؟ على وجهين، واحتجَّ المحرِّمون بنهي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: والنَّهي يقتضي التَّحريم.

قالوا: وقول عائشة: «رحمةً لهم» لا يمنع أن يكون للتَّحريم، بل يؤكِّده، فإنَّ من رحمته لهم أن حرَّمه عليهم، بل سائر مناهيه للأمَّة رحمةٌ وحميةٌ (٤) وصيانةٌ.

قالوا: وأمَّا مواصلته بهم بعد نهيه فلم يكن تقريرًا لهم، كيف وقد نهاهم، ولكن تقريعًا وتنكيلًا، فاحتمل منهم الوصال بعد نهيه لأجل مصلحة النَّهي في تأكيد زجرهم، وبيانِ الحكمة في نهيهم عنه بظهور المفسدة الَّتي نهاهم لأجلها لهم، فإذا ظهرت لهم مفسدة الوصال وظهرت حكمة النَّهي عنه كان ذلك أدعى إلى قبولهم وتركهم له، فإنَّهم إذا ظهر لهم ما في (٥) الوصال وأحسُّوا منه بالملل في العبادة والتَّقصير فيما هو أهمُّ وأرجح من وظائف الدِّين: من القوَّة في أمر اللَّه، والخشوع في فرائضه، والإتيان بحقوقها الظَّاهرة والباطنة، والجوع الشَّديد ينافي ذلك ويحول بين العبد وبينه= تبيَّن لهم


(١) في «التمهيد» (١٤/ ٣٦٣).
(٢) «لأحد» ليست في ع.
(٣) في «مختصر المزني» (ص ٥٩).
(٤) «وحمية» ليست في ك، ج، ع.
(٥) ج، ع، مب: «مفسدة» بدل «ما في».