للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمعناه إفراد أعمال الحجِّ، أو أن يكون وقع فيه (١) غلطٌ (٢) كنظائره، فإنَّ أحاديث التَّمتُّع متواترةٌ، رواها أكابر الصَّحابة كعمر وعلي وعثمان وعمران بن حُصينٍ، ورواها أيضًا عائشة وابن عمر وجابر، بل رواها عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بضعة عشر من الصَّحابة.

قلت: وقد اتَّفق أنس وعائشة وابن عمر وابن عبَّاسٍ على أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمرٍ، وإنَّما وهِمَ ابن عمر في كون إحداهنَّ في رجبٍ، وكلُّهم قالوا: وعمرةٌ مع حجَّته، وهُم سوى ابن عبَّاسٍ قالوا: إنَّه أفرد الحجَّ، وهم سوى أنس قالوا: تمتَّع. فقالوا هذا وهذا وهذا، ولا تناقضَ بين أقوالهم، فإنَّه تمتَّع تمتُّع قرانٍ، وأفرد أعمال الحجِّ، وقرنَ بين النُّسكين، فكان قارنًا باعتبار جمعه بين النُّسكين، ومفرِدًا باعتبار اقتصاره على أحد الطَّوافين والسَّعيين، ومتمتِّعًا باعتبار (٣) ترفُّهه بترك أحد السَّفرين.

ومن تأمَّل ألفاظ الصَّحابة، وجمعَ الأحاديث بعضها إلى بعضٍ، واعتبر بعضَها ببعضٍ، وفهم لغة الصَّحابة= أسفر له صبحُ الصَّواب، وانقشعتْ عنه ظلمةُ الاختلاف والاضطراب، والله الهادي لسبيل الرَّشاد الموفِّق لطريق السَّداد.

فمن قال: «إنَّه أفرد الحجَّ»، وأراد به أنَّه أتى (٤) بالحجِّ مفردًا، ثمَّ فرغ منه


(١) ك، ع، ب، مب: «منه».
(٢) مب: «غلطًا».
(٣) «باعتبار» ساقطة من المطبوع.
(٤) ج: «لبى».