للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بال النَّاس حلُّوا، ولم تحلَّ من حجك، كما حلُّوا هم بعمرةٍ، ولا قال أحدٌ: إنه سمعه يقول: لبَّيك بعمرةٍ مفردةٍ البتَّة، ولا بحجٍّ مفردٍ، ولا قال أحدٌ: إنَّه اعتمر أربع عُمَرٍ الرَّابعة بعد حجَّته، وقد شهد عليه أربعةٌ من الصَّحابة أنَّهم (١) سمعوه يخبر عن نفسه بأنَّه قارنٌ، ولا سبيلَ إلى دفع ذلك إلا بأن يقال: لم يسمعوه.

ومعلومٌ قطعًا أنَّ تطرُّقَ الوهم والغلط إلى من أخبر عمَّا فهِمَه هو من فعْلِه وظنَّه كذلك أولى من تطرُّقِ التَّكذيب إلى من قال: سمعته يقول كذا وكذا وإنَّه لم يسمعه، فإنَّ هذا لا يتطرَّق إليه إلا التَّكذيب، بخلاف خبر من أخبر عمَّا ظنَّه من فعْلِه وكان واهمًا، فإنَّه لا يُنسب إلى الكذب. ولقد نزَّه الله عليًّا وأنسًا والبراء وحفصة عن أن يقولوا: سمعناه يقول كذا، ولم يسمعوه، ونزَّهه ربُّه تبارك وتعالى أن يرسل إليه: أن افعَلْ كذا وكذا، ولم يفعله، هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل، فكيف والَّذين ذكروا الإفراد عنه لم يخالفوا هؤلاء في مقصودهم ولا ناقضوهم، وإنَّما أرادوا إفرادَ الأعمال واقتصارَه على عمل المفرِد، فإنَّه ليس في عمله زيادةٌ على عمل (٢) المفرد.

ومَن روى عنهم ما يوهم خلاف هذا فإنَّه عبَّر بحسب ما فهمه، كما سمع بكرُ بن عبد الله ابنَ عمر يقول: أفرد الحجَّ، فقال: «لبَّى بالحجِّ وحده»، فحمله على المعنى. وقال سالمٌ ابنه عنه ونافعٌ مولاه: إنَّه تمتَّع، فبدأ فأهلَّ


(١) ج: «أنه».
(٢) ق: «حمل».