قال أبو علي -وهو اللؤلؤي صاحبُ أبي داود- بلغني عن أبي عبيد أنه قال: وجهه: أن يمتلئ قلبه، حتى يَشْغَله عن القرآن، وذكرِ اللَّه، فإذا كان القرآنُ والعلمُ الغالبَ، فليس جَوفُ هذا عندنا ممتلئًا من الشعر.
و"إن من البيان لسحرًا": قال المعنى: أن يبلغ من بَيانه: أن يمدح الإنسان، فيصدُق فيه، حتى يصرِف القلوبَ إلى قوله، ثم يَذُمَّه، فيصدُق فيه حتى يصرِفَ القلوب إلى قوله الآخر، فكأنه سَحَر السامعين بذلك. هذا آخر كلامه.
وقد اختلف العلماء في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن من البيان لسحرًا".
فقيل: أورده مورد الذم، لتشبيهه بعمل السحر، لقلبه القلوب، وتزيينه القبيح، وتقبيحه الحسن، وإليه أشار الإمام مالك رحمه اللَّه، فإنه ذكر هذا الحديث في الموطأ في "باب ما يكره من الكلام".
قيل معناه: أن صانعه يكسب به من الإثم ما يكسبه الساحر بعمله.
وقيل: أورده مورد المدح، أي أنه تُمال به القلوب، ويُتَرضَّى به الساخط، ويُسْتَنْزَلُ به الصعب، ويشهد له "إن من الشعر لحكمة" وهذا لا ريب فيه: أنه مدح، فكذلك مصراعه الذي بإزائه.
وقال بعضهم في الامتلاء من الشعر: أي الشعر الذي هُجي به رَسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وهذا القول غير مرضي، فإن شَطر البيت من ذلك يكون كفرًا، فإذا حُمل على الامتلاء منه، فقد رخَّص في القليل منه، وهذا ليس بشيء.