بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على آلائه، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه، وعلى آله وصحبه وأوليائه. وبعد،،، فهذا كتاب «البحر المديد في تفسير القرآن المجيد» للإمام البارع، والعالم المتقن، شيخ الطريقين وعمدة الفريقين «أبى العباس أحمد بن عجيبة الحسنى المغربي» المتوفى فى عام ١٢٢٤ هـ.
وهو كتاب فريد فى بابه، ولم ينسج أحد على منواله، تشوف له أرباب القلوب والأحوال طويلا، سلك فيه صاحبه مسلك العلماء الراسخين فى تفاسيرهم، وزاد عليهم بما يذكره من معان إشارية دقيقة، استشفها من آيات القرآن، الذي لا تنقضى عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد.
حفل هذا التفسير بالأحاديث والآثار، وتناول القراءات القرآنية وتوجيهها، واشتمل على مسائل الفقه والأصول، وجمع الكثير من القضايا اللغوية واللطائف الأدبية. وتميز بحسن الترتيب، وحلاوة العبارة، ودقة التصوير، وسهولة الأسلوب.
ومن أهم ما يميز هذا التفسير هو هذه المعاني الإشارية، التي بسط المفسر الحديث فيها عن آداب السلوك، والمقامات كالإخلاص، والصدق، والصبر، والورع، والزهد، والرضا، والتوكل، والشكر، والحب، والكشف، والإلهام، والكرامات ... وغير ذلك مما يطول ذكره، وقدّم لنا ابن عجيبة من خلال هذه الإشارات منهجا تربويا صوفيا إسلاميا متكاملا، يسلكه من أراد أن تصفو روحه وتزكو نفسه ويحيا قلبه، ويحظى بنور معرفة الحق تعالى.
وعلى الجملة فنحن أمام موسوعة قرآنية تفسيرية صوفية كبيرة وقيّمة، تعد دليلا واضحا للحائرين، ومنهجا كريما للسالكين.
ولا غرابة فى ذلك، فابن عجيبة عالم تضلع من علوم الشريعة واللغة، ورسخت قدمه فيها، وخاض فى علوم التصوف ذوقا وحالا ومقاما، وصحب أهل الأذواق والقلوب، وسلك مسلكهم، حتى انجلت عين بصيرته، وتفجرت ينابيع الحكمة فى قلبه، وكان له فى هذا المقام مدد واسع وفيض لا ينقطع.
ولأهمية هذا الكتاب، وتفرده فى بابه، فقد توفرت على استخراجه من أصوله، وتحقيقه تحقيقا علميا، وإظهاره فى صورة تكشف روائعه وتبرز كنوزه، ومكثت فى هذا العمل خمس سنوات، مواصلا الليل والنهار، كنت سعيدا خلالها بما حبانى الله من شغل فى هذا العمل الشريف، رغم أن التحقيق عمل شاق جدا، ولا يعرف ذلك إلا من مارسه وقام به. والواقع أن كل جهد يبذل فى خدمة هذا التفسير يهون بالنسبة لقيمته العظيمة.