ثم ذكر جزاءهم، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (٨٧) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨)
يقول الحق جلّ جلاله: أُولئِكَ المرتدون عن الإسلام- جَزاؤُهُمْ: أن تلعنهم الملائكة والناسُ أجمعون، مؤمنُهم وكافرهم، لأن الكافر يلعنُ من ترك دين الحق، وإنْ كان لا يشعر بمن هو على الحقّ. خالِدِينَ في اللعنة، أو في النار، لدلالة السياق عليها، أو في العقوبة. لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ ساعة، ولا هم يُمهلون عنها لحظة.
ثم إنَّ الحارث نَدِم، وأرسل إلى قومه أن اسألوا الرسول صلّى الله عليه وسلم، هل لي من توبة؟ فنزل قوله تعالى:
[[سورة آل عمران (٣) : آية ٨٩]]
إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٨٩)
يقول الحق جلّ جلاله: إلا مَن تابَ من بعد الردة، فأسلم وأصلح ما أفسد، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ له فيما فعل، رَحِيمٌ به حيث تاب.
ولمّأ نزلت الآية حملها إليه رجلٌ من قومه وقرأها عليه، فقال الحارث: إنك والله فيما علمت لصدوق، وإن النبي صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وإن الله- تعالى- لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة، فأسلم وحَسُن إسلامُه.
الإشارة: كل مَن ابتغى الخصوصية من غير أهلها، أو ادعاها ولم يأخذْها من معدنها، فلن تُقبل منه، وهو عند القوم من الخاسرين في طريق الخصوص، فكل مَن لا شيخ له في هذا الشأن فهو لقيط، لا أب له، دعي، لا نسب له.
والمراد بأهلها: العارفون بالله، أهلُ الفناء والبقاء، أهل الجذب والسلوك، أهل السكر والصحو، الذين شربوا الخمر فسكروا ثم صحوا وتكملوا، فمعدنُ الخصوصية عند هؤلاء، فكل من لم يصحبهم ولم يشرب من خمرتهم، لا يُقتدى به، ولو بلغ من الكرامة ما بلغ، وأخسر من هذا مِنْ صحب أهل هذه الخمرة، وشهد بأن طريقهم حق، ثم رجع عنها، فهذا مغبون ملعون عند كافة الخلق، أي: مطرود عن شهود الحق، إلا مَن تاب ورجع إلى صحبتهم والأدب معهم، فإن الله غفور رحيم.
ثم ذكر الحق تعالى من ارتدّ وبقي على كفره، حتى مات، فقال:
[[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٠]]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (٩٠)